سبق واشرنا الى ضرورة الغاء جهاز مباحث امن النظام (المعروف رسميا بامن الدولة) وفورا، والادارة العسكرية الحالية للبلاد هي الاقدر على القيام بذلك حتى وان تركت حل مشكلة العمالة فيه للحكم المدني بعد اشهر. واذا كان جهاز امن النظام عن قدر كبير من القمع والفساد والتدهور الذي اصاب مصر على يد النظام، فان من اخطر ما افسد ودمر هو الاعلام. وذلك بشكل مباشر بتحويله الصحافة والاعلام الى اعلام امني يخدم فقط الحفاظ على النظام وفساده وقمعه وبشكل غير مباشر بتدميره لاي شكل من اشكال العمل السياسي وحتى الفكري الذي ينعش الصحافة والاعلام ويطور من جودته ومهنيته. وبعدما كان الصحفيون المصريون يديرون اغلب منافذ الاعلام العربية والعالمية الموجهة للعرب، تراجع دورهم مع تدهور وضع مصر عموما وافساد جهاز امن النظام للاعلام الى الحد الذي جعلهم مثار تندر من صحفيين في دول عربية طورت الاعلام فيها بشكل اصبح يصعب مقارنة الاعلام المصري به. والمصيبة ان الصحفيين المصريين تحولوا من طول فترة القمع والتسطيح والتدهور المهني الذي هو جزء من تدهور احوال البلاد بشكل عام الى حل المشكلة مع انفسهم بالتعامي عن حقيقة ان الاخرين اصبحوا افضل وتصرفوا كالنظام الفاشل الضعيف على ان الاخرين يحقدون عليهم "ويريدون سلب مصر ريادتها". ولطالما اتهمت بعدم الوطنية حين كنت اسخر من مصطلح الريادة هذا واظنه يعود لصفوت الشريف ، واتندر بانه اصبح "ريالة" كحال النظام المصري. وتلك مصيبة اخرى ان يتصور كل مصري يتعامل مع اخرين انه مصر، وان وضعه في حجمه يعني النيل من مصر بالضبط كما هو حال النظام المصري في قوته وضعفه. مع ان مصر اكبر من ذلك بكثير، وربما يصح ان يمثل قيمها وتحضرها فلاح بسيط او عامل متواضع افضل مئة مرة من صحفي غير مهني او سياسي لا يعرف سوى الانحناء امام الهانم سيئة مصر الاولى. المهم، اصبحت الصحافة والاعلام المصري على مدى اكثر من ثلاثة عقود مجرد رديف لجهاز قمعي مفسد ولم يعد اعلامنا اكثر من اعلام امن النظام. والخطورة ليست في الصحفيين والاعلاميين الامنيين، الذين كان يطلق عليهم زملاؤنا (مندوب الداخلية في الصحيفة الفلانية، او مندوب امن الدولة في القناة العلانية). فهؤلاء معروفون وواضحون وهم مجرد مخبرين يسهل عزلهم دون جهد من الجماعة الصحفية عموما. وبالمناسبة هؤلاء من بين الصحفيين والقيادات الوسيطة كثر واخلص لعملهم الامني من بعض رؤساء تحرير المنافذ الاعلامية الحكومية. واستثني قلة قليلة يممكن عدها على الاصابع من المهنيين الذين رأوا في النظام ضمانة للاستقرار حتى وان لم يتبينوا ان "الاستقرار" الذي دمر مصر قمعا وفسادا كان اخطر من التغيير حتى لو للمجهول. لكن الاخطر في تقديري هم هؤلاء الذي ينفذون اجندة امن النظام وتدمير وعي الناس وهم يتصورون انهم يؤدون مهمة وطنية. هؤلاء اكثر خطرا من الحكومة الحالية ورئيسها التي يرفضها الشعب لانها من بقايا النظام، بل ربما اخطر حتى من الشرطة والامن القمعي المتعجرف الذي يحصد ارواح الابرياء ويهين كرامة البشر. فهؤلاء الصحفيون الاوصياء يتصورون انفسهم اكثر من المخبرين، فيزايدون على من يخدمون بالامعان في تضليل الناس وترسيخ ادوات التسطيح والقمع والتخلف وفي النهاية تدمير البشر. ومن شدة الفرحة بالصحوة غير المسبوقة التي احدثتها الثورة لدى جماهير الشعب العادية وهي بالمناسبة اكثر وعيا في الاغلب من كل هؤلاء لكنها اعتادت "التطنيش" اتصور انه يجب العمل بسرعة على عزل هؤلاء الاوصياء. لا اقصد هنا ان يقالوا او لا يعملوا لكن ان تنتبه الجماهير للدور المدمر الذي يقومون به مغلفا بنجومية وادعاء حياد ومهنية مفتقدة. وحتى لا يتصور البعض ان المقصود هنا هو منافذ الاعلام الحكومي من مطبوعة ومسموعة ومرئية، اود التاكيد على ان ما يسمى الاعلام الخاص اخطر كثيرا من الاعلام الحكومي. صحيح ان هناك مندوبين من الاعلام الرسمي يعملون في قنوات التلفزيون والصحف المملوكة لرجال الاعمال، لكن الاخطر هو هؤلاء الذي يتصورون انفسهم مستقلين وهم اهم مفصل في اعلام امن النظام. واكاد ازعم ان من بين الصحفيين في المنافذ الحكومية من هم اكثر مهنية حتى لو اختلف المرء مع مواقفهم من السما الى الارض من كثير من مدعيي التنوير والحيادية في الاعلام المملوك لرجال الاعمال. خطورة هؤلاء النجوم زاعقي الصوت انهم ليسوا فقط اعلام امن النظام الذي قامت الثورة للتخلص منه، ولكنهم اعلام امن ما يغذي اهميتهم وليسوا محترفين يطورون انفسهم مهنيا (حتى لو كانت مهنتهم خدمة النظام). هؤلاء هم اكثر قوات اعلام امن النظام المستعان بهم في المرحلة الانتقالية، ليرسخوا في ذهن الناس مثلا مقولات من قبيل (شباب 25 يناير) و(ثورة الشباب) على سبيل المثال لا الحصر. وهذا بالطبع ما يريده فلول النظام الذين يديرون الحكومة ومفاصل الدولة حتى الان وذلك الى ان تهدأ الامور (وكان بقية الثمانين مليون مصري ما زالو سلبيين منسحبين كما كان قبل شهرين) وربما حتى يصبح ممكنا ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية. في الواقع لا اجد من بين جماعة الصحافة والاعلام الا نفر قليل حافظ على مهنية قديمة واما طورها خارج مصر او لم يتلوث كثيرا بقمع وفساد امن النظام. وربما يكون الاخيرون اكثر من بين الذين لم يتولوا مناصب قيادية او وسيطة ولم يصبحوا نجوما منتفخة على الناس وبداخلها صفوت الشريف.