ميدان التحرير منذ عدة أيام بداية نريد أن نقول أننا كنا مع الثورة الشعبية منذ بدايتها وكنا مع مطالبها الشرعية في التغيير والإصلاح والديمقراطية ، لكننا أيضا كنا ضد الفوضى وضد إضاعة معني الثورة ومبادئها وأهدافها ، لهذا تأتي نظرتنا لميدان التحرير الذي شهد انطلاق الثورة ومولدها والذي رويت شوارعه بدماء الكثير من أشرف وأطهر الدماء المصرية .. دماء شباب مصر المخلص الذي راح شهيدا للدفاع عن معني الوطن ، ومن أجل أن يعيش الجيل القادم في حياة ديمقراطية خالية من الظلم والفساد والمحسوبية ، شباب نادي في الحياة بأننا لن نرضي بالذل والهوان مرة أخرى . وبكل أمانة وموضوعية نروي لمن لم يشاهد ميدان التحرير من الداخل ونرسم له صورة واقعية عشناها خلال الأيام الماضية .. البداية من جميع مداخل الميدان السبعة ( شارع طلعت حرب وشارع التحرير وشارع محمد محمود وشارع قصر العيني وشارع عمر مكرم وشارع كوبري قصر النيل وشارع رمسيس ) ، والتي يحميها الجيش عند جميع التقاطعات بالدبابات وعساكر المشاة ، ومن أمامهم نري الشوارع شبه مغلقة بالحواجز التي صممتها اللجان الشعبية ، حيث يقف مجموعات من الشباب عند المنافذ المؤدية للمداخل ، ويقوم هؤلاء الشباب بالتفتيش الدقيق والاطلاع علي تحقيق الشخصية ليسمحوا بعدها بالمرور . لا ينتهي الحال عند نقاط التفتيش الشعبية الأولي فبعدها بحوالي خمسين متر توجد نقاط تفتيش ثانية ، وهي التي يكون فيها التفتيش أكثر دقة من النقاط الأولي ( لكن بكل ذوق واحترام ) ، حيث يؤكد الشباب الذين يقومون بالتفتيش علي أن ذلك من أجل مصلحة الجميع ، والكل يتقبل ذلك بكل حب ونحن من هؤلاء ، وهنا يدعوك الإخوة المفتشون إلي أن تستمتع بوقت وطني وروح شعبية رائعة ، ويدعوك بعد ذلك وشأنك تتنقل بحرية في جميع جنبات الميدان ( قلب الحدث ) . وعندما تدخل إلي الميدان من الداخل تبدأ في مشاهدة المشاهد التاريخية التي لم يعرفها الشعب المصري من قبل ، وبداية جولتنا كانت من مدخل شارع طلعت حرب الشهير فعلي الجانب الأيمن كان يوجد ركن الصحفيين الذي تواجد فيه عشرات الصحفيين المتضامنين مع الثورة والذين كانوا يبيتون في أماكنهم بوسائل بدائية جدا من الأغطية والفرش والأطعمة التي يأكلها أبسط الناس الشعبيين ، ويعلقون في أعلي المبني الذي ينامون تحته يافطة كبيرة كتب عليها ( الصحفيون معتصمون مع شباب 25 يناير حتي النصر ) ، وعلق إلي أسفلها صورة الصحفي الشهيد أحمد محمد محمود الصحفي بالأهرام الذي لقي حتفه برصاص الغدر أثناء قيامه بآداء مهامه الصحفية . وعندما تتحرك إلي اليمين قليلاً تجد عدد من الأهالي الذين جاءوا من مختلف محافظات الجمهورية للمشاركة في الاعتصام دعما لشباب 25 يناير ، وبعدها بأمتار تجد إذاعة داخلية مكونة من جهاز كمبيوتر وشاشة عرض عبارة عن مترين في متر يتم عرض بعض الأغاني الوطنية عليها ويلتف حولها عدد كبير من الشباب يرددون الأغاني الوطنية التي يتم إذاعتها عبر الإذاعة البسيطة ، لنذهب إلي قرب شارع محمود بسيوني المؤدي إلي ميدان طلعت حرب من الناحية الأخرى ، حيث اللجان الشعبية التي تنظم حركة المرور ذهابا وعودة وسط تشديد أمني شعبي كبير . لنذهب بعد ذلك إلي جانب المتحف المصري الذي أحيط بعدد كبير من الشباب والذين يقودهم شباب الثورة الذين تواجدوا في الاعتصام بداية من يوم 25 يناير في شكل جميل من الحماية البشرية التي يفخر بها كل مصري ، حيث يقومون بمنع أي شخص من الاقتراب من أسوار المتحف أو من الدبابات التابعة للجيش والتي تحيط بالمكان ، لنذهب بعد ذلك إلي الركن الغربي حيث اتجاه كوبري قصر النيل الذي يوج فيه مجموعات متفرقة من جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا يتزايدون في أوقات النهار الذي يقل فيه عدد الشباب ، وذلك للحفاظ علي بقاء الميدان الذي كانوا يرون أنه موقع المعركة المكتسب منذ يوم 25 يناير ، والذي كانوا يرون أن خسارته تعني فشل الثورة وهو ما نجحوا في الحفاظ عليه . ونري فوق إشارة المرور الموجودة في بداية شارع التحرير من ناحية كوبري قصر النيل مجموعة من الشباب الذين يلوحون بعلم مصر في تحية للمشاركين في الاعتصام ولاستثارتهم عندما يشعرون بفتور همتهم أو صمتهم عن الهتاف في حب مصر ، لنتجه بعد ذلك إلي ناحية مجمع التحرير الذي يتمركز حوله مجموعات الشباب من الحركات الاحتجاجية شباب 6 ابريل وشباب من أجل العدالة والحرية ( هنغير ) والاشتراكيون الثوريون ، وغيرها من الحركات الاحتجاجية التي شاركت في الثورة من بدايتها . ونتجه بعد ذلك إلي ناحية شارع محمد محمود والجامعة الأمريكية ، حيث المنبر الذي يلقي إمام الجمع الثلاث التي تمت صلاتهم في الميدان ، وبجواره تكمن الإذاعة الداخلية والمسرح حيث يتم إلقاء الكلمات للجمهور من جانب كل من يريد أن يوجه كلمة إلي الجموع ، وغالبا ما كانت تلك الكلمات كلمات ثورية تحث الشباب المتواجدين علي الاستمرار ومواصلة الاعتصام حتى النصر لأن من كان يخالف ذلك التوجه كان يتم إنزاله من علي المسرح بالقوة ، وقد تمت حالات اعتداء علي بعض من حاولوا تغيير مثار الثورة والتحدث للشباب بكلمات غير التي كانوا يريدون سماعها ، وقد حدث ذلك مثلا مع المطرب تامر حسني معشوق الشباب الذي كان الشباب يطلقون عليه لقب نجم الجيل ، إلا أنه عندما حاول أن يحث الشباب علي الاكتفاء بما حصلوا عليه من مكاسب من الرئيس السابق حسني مبارك ، تم إنزاله من علي المسرح بالقوة وتم الاعتداء عليه من قبل عدد من الشباب الذين كانوا حتى وقت قريب من عشاقه . ولم يبق من المشهد في ميدان التحرير الذي أعاد التاريخ كتابة اسمه من نور سوي منطقة القلب وهي وسط الميدان ، والتي تجمع حولها أعداد كبيرة من الشباب يهتفون بسقوط النظام ولا بديل سوي الرحيل بالرغم من كل ما عرض عليهم من تنازلات ، وفي القلب يظهر علم مصر الأكبر والذي يمتد لحوالي عشرون متراً ، حيث يحمله الشباب ويدورون به في المكان بشكل دائري لم يتوقف إلا عند سماع البيانات التي كانت تصدر عن الرئيس الراحل حسني مبارك أو نائبه السيد عمر سليمان وزير المخابرات السابق .