موعد مباراة فيردر بريمن ضد باير ليفركوزن في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    الاتحاد السعودي يفاوض رينارد لخلافة مانشيني في المنتخب    محافظ أسوان يعتمد نتيجة مسابقة المتقدمين لشغل الوظائف الإشرافية    رئيس الضرائب: حزمة التسهيلات الجديدة تضمنت زيادة دور وحدة دعم المستثمرين    رئيس الوزراء يتفقد المشروعات الصناعية والخدمية بالسويس    بعد الهجوم الإسرئيلي على إيران.. مصر تدين أي إجراء يهدد أمن واستقرار المنطقة    نقيب الصحفيين اللبنانيين: استهداف الصحفيين هدفه منع توثيق الجرائم الإسرائيلية    حشود كبيرة من «حماة الوطن» تشارك في احتفالية ذكرى نصر أكتوبر باستاد العاصمة    مدبولي: تجربة المدارس اليابانية التي وجه بها الرئيس "شديدة التميز"    أفشة: جئت لصنع التاريخ وهذه بطولتي ال17 مع الأهلي.. وننتظر دعم الجماهير أمام العين    تهديد عبر مكالمة هاتفية.. ماذا حدث في «فيلا العامرية»؟    خبير معلومات: تطبيقات الذكاء الاصطناعي مازالت في مرحلة الطفولة    مفتي الجمهورية: القرآن الكريم أعظم معجزة إلهية خالدة بخلود الدهر ودالَّة على صدق النبوة    نسمة محجوب تكشف تفاصيل عن حياتها الشخصية | فيديو    أستاذ بالأزهر: الزوج لازم يقول كلام طيب لزوجته لهذه الأسباب    لماذا كثر التنجيم والتنبؤ بالغيب؟.. أمين الفتوى يجيب    تحصين 8397 مواطنًا بلقاح الكبد الفيروسي «بي» في الدقهلية    القاهرة الإخبارية: القطاع الصحي في لبنان يعاني من أزمة كبيرة جدا    خبير سياسات دولية: إسرائيل تهول من نجاح الهجوم على إيران|فيديو    الفريق أحمد خليفة يتفقد إجراءات التأمين على الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي    بعد واقعة التسمم.. رئيس جامعة الأزهر يطمئن على طالبات كلية البنات الأزهرية بالأقصر    سعر طن الأرز الشعير اليوم السبت 26-10-2024 في مصر    أحياء القاهرة تستقبل طلبات التصالح في مخالفات البناء اليوم    مصرع شخص فى حادث تصادم دراجة نارية وسيارة ملاكى بالفيوم    لتحسين الخدمة.. السكة الحديد تقرر تعديل تركيب بعض القطارات بالوجه البحرى    مصر للطيران: إلغاء جميع الرحلات المتجهة إلى بغداد وأربيل وعمان    جمعية رجال الأعمال المصريين توقع اتفاقية تعاون مع وفد مدينة لينيي الصينية لتعزيز التجارة الدولية    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الشتوي .. دارالإفتاء تكشف عنها    بطلة مسلسل هند والدكتور نعمان مع أبنائها.. «نسخة منها»    طلب إحاطة فى مجلس النواب حول أسباب هدم مطرانية ملوي    أستاذ علاقات دولية: الهجوم الإسرائيلي على إيران محدود ولحفظ ماء الوجه    رئيس مجلس النواب يهنئ محمد اليماحى لفوزه برئاسة البرلمان العربي    استمرار مبادرة "جامعة الطفل" في حرم جامعة الملك سلمان بجنوب سيناء    المفتى: القرآن الكريم أجل وأعظم معجزة أجراها الله على يد نبى من الأنبياء    رئيس البرلمان العربي الجديد: تحديات المرحلة الحالية تتطلب من العرب التكاتف والاصطفاف    مدبولي: توجيهات رئاسية بالإسراع في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل بجميع المحافظات    محافظ المنيا: تقديم 110 آلاف خدمة صحية مجانية بالمستشفيات    وزير التعليم العالي يفتتح عددًا من المنشآت الجامعية الجديدة في جامعة الإسكندرية    «حياة كريمة» تطلق قوافل طبية في 8 محافظات للكشف والعلاج مجانًا    مضاعفة نمو الدول العربية.. المدير التنفيذي بصندوق النقد يعلن أجندة أعماله    إعلام فلسطينى: 800 شهيد جراء هجمات الاحتلال على شمال غزة خلال 22 يوما    لضبط الخارجين على القانون.. جهود قطاع الأمن الاقتصادي خلال يوم    هيئة الأرصاد تحذر: فارق بين درجات الحرارة العظمى والصغرى يصل 10 درجات    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة التعاون في الدوري السعودي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 26-10-2024 في المنيا    «طالع عينه في الزمالك».. رسالة نارية من نجم الأهلي السابق بشأن شيكابالا    الدفاع الجوي الإيراني يدعو الشعب إلى "التضامن والسلام"    قبل كلاسيكو الليلة.. برشلونة أحد ضحايا مبابي المرعب    ضبط سائق مينى باص دهس شخصا وأودى بحياته أعلى كوبري أكتوبر ببولاق أبو العلا    إحباط تهريب 1800 قطعة مستلزمات شيش إلكترونية و107 هواتف وساعات ذكية بمطار برج العرب    هل تجب قراءة الفاتحة بعد الإمام في الصلاة الجهرية أم يجوز تركها؟    وزيرة التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية يستفيد منها 166 متدرباً    مسؤول في الإدارة الأمريكية: الضربات الإسرائيلية تهدف إلى ردع الهجمات الإيرانية المستقبلية بشكل فعال    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 687 ألفا و600 جندي منذ بدء العملية العسكرية    يقتل ابن عمه بسبب النزاع على قطعة أرض بمحافظة سوهاج    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على أتلانتا يونايتد بكأس الدوري الأمريكي    موقف كهربا من المشاركة مع الأهلي بعد الاعتذار لمحمد رمضان    حظك اليوم برج الحوت السبت 26 أكتوبر.. اغتنم الفرص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تَنحَّ!
نشر في المراقب يوم 10 - 02 - 2011

بحارة برج المراقبة لم يكونوا يرون شيئا فى ظلمات ليل المحيط الكثيفة، التى تحيط بهم من كل اتجاه، لكنهم بالتأكيد أحسوا بالبرد المخيف الذى ساد الأجواء بغتة، وكان لهذا النوع من البرد المباغت معنى واحد يعرفونه جيدا ضمن أبجديات ما يتعلمه بحارة السفن فى أعالى البحار، لكن أحدا منهم لم يجرؤ على البوح للقبطان بما يراه من معنى محتمل فى هذا البرد المفاجئ، فقد كان قبطانهم «إ.جى. سميث» مُدرَّعا بثلاثة أشياء إذا اجتمعت فى إنسان واحد حولته إلى إله بشرى مزيف، تتفاقم ألوهيته الزائفة هذه طالما كان من حوله أناس يقدمون له أنفسهم كعبيد، أو يرضون صدقا أو كذبا بالعبودية له. كان القبطان «إ.جى.سميث» عجوزا وعنيدا وحاكما مطلقا على السفينة، التى تمخر بحر الظلمات، وكان هذا الثالوث كافيا أن يملؤه بعجرفة وغرور يخبئهما وقاره الشكلى ومكانته، التى خوَّلت له أن يهمس أو يومئ فتتحول همساته أو إيماءاته إلى أوامر لاراد لها ولا نقاش فيها ولا محاسبة.وكالآلهة كانت تحوم حوله الأساطير، أساطير القدرة على إتيان ما لا يأتى به البشر. أساطير أحاط بها نفسه عندما ترك منافقيه ينسجونها من حوله، فصار خارقا لدى تابعيه وتابعى تابعيه من البحارة، يثبِّت اتجاه الدفة ويذهب لينام فيبتسمون بانبهار مُداهِن مرددين أنه يرى كل شىء حتى وهو نائم! ويواجه العواصف ببطء المسنين وبرود الطغاة، فتذيع بطانته بعد انقشاع العواصف أنه أمر الريح فسكتت، وحدّق فى عين الإعصار فهمد الموج الهائج وانقطع انهمار المطر! كان أفراد بطانته من البحارة المقربين يعرفون فى قرارة أنفسهم أن تلك ما هى إلا أكاذيب دعمتها المصادفة ومقادير العواصف العابرة وحظه العجيب، لكنهم كانوا يتركون هذه الأساطير تعمل، ويهللون لها ما داموا يتنعَّمون فى ظل هيمنته بامتيازات استثنائية ومكاسب فاحشة على ظهر السفينة. وعندما وصلت عضة البرد المخيف المفاجئ إلى عظامهم، لم يجرؤ واحد منهم أن يجاهر القبطان الإله بحقيقة ما يتوقعه فى الأفق، بل إن معظمهم، بالرغم من كونهم بحارة ذوى خبرة ودراية، فقدوا حتى القدرة على تمييز بوادر الكارثة، لأن عجرفته وثقل ذهنه ومواتاة حظه نزعت من قاموسه كلمة كارثة، ونزعتها بالتالى من عقولهم! لِمَ لا؟ ، وهو الذى تبجَّح عام 1907 بتصريح خيلائى مُوثَّق قال فيه: «خلال خبرتى، لم أتعرض لأى حادث من أى نوع يستحق أن أتوقف عنده أو أتحدث عنه. ولقد رأيت سفينة واحدة فقط فى حالة شدة واستغاثة طيلة عمرى فى حياة البحر.
ولم أر حطام أى سفينة، ولم تتحطم سفينة فى إمرتى، كما أننى لم أكن مرة فى أى مأزق عصيب يُنذِر بالانتهاء إلى كارثة من أى نوع من الأنواع».
القبطان العجوز العنيد المتعجرف «إ.جى. سميث»، الذى أدلى بهذا التصريح الطافح بخيلاء العظمة والغرور عام 1907، هو نفسه الذى سجلت السفينة «تيتانيك»، التى كانت تحت إمرته، أشهر حوادث التحطم البحرى للسفن فى التاريخ كله، عندما اصطدمت بجبل ثلج عائم فى المحيط عام 1912، وكان ممكنا تحاشى هذا الاصطدام لو أن بحارى برج المراقبة لم يجبنوا عن إخباره بنذير الشؤم المبكر، كما كان ممكنا ألا تغرق تيتانيك هذا الغرق المروِّع، لو أن واحدا من بحارته المحنكين فى غرفة القيادة قد أزاحه مبكرا عن الدفة، التى تيبس واستمات عليها مُسجلا مشهدا سينمائيا يوحى بالبطولة، وإن كان جوهره الإجرام والخرَف.
غرقت تيتانيك متحطمة لأن بحارا واحدا لم يزح قبطانها العجوز عن دفة القيادة، ولم يصرخ فيه صرخة واحدة واجبة فى اللحظات الحرجة: «تنحَّ»، وها هى صرخات ثمانية ملايين من المصريين تجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها، مشكلة إجماعا يفوق أى نسبة فاز بها الرئيس من الخُمس الضئيل من مجموع الناخبين المصريين فى انتخابات 2005، التى يتذرعون بشرعيتها. ها هى شرعية حقيقية جديدة تنزع عن الرئيس شرعيته الملتبسة، الرئيس الذى صرح مرة فى نوبة صدق قائلا: «لا يمكن أن يستمر فى الحكم أى قائد لا يريده شعبه»، وها هى إرادة شعبية حقيقية واضحة وعلنية تصرخ فيه صرخات مليونية فى كل أرجاء مصر تطالب برحيله، ولليوم السادس عشر على التوالى، ودون توقف حتى هذه اللحظة.مصر ليست سفينة حكم أبدى، فأى حكم سيظل عابرا مهما مكث ولو بالحديد والنار، مصر دولة من أرض وشعب كبيرين عظيمين، وتشبُّث الرئيس بدفة الحكم سيزيد من غرق هذا الحكم فى مزيد من الدم والخطايا، لكن هذا التشبث لن يُغرِق وطنا وشعبا استيقظ يقظة تاريخية مبهرة، ويقظته هذه المرة لا تشكل ثورة سياسية فقط، بل ثورة روحية اكتشف فيها هذا الشعب حقيقة جوهره النبيل وانحطاط الزيف، الذى غالى فى طمس جوهر هذه الأمة فى سنوات الحكم الرديئة الأخيرة على وجه الخصوص.صار مستحيلا أن تنسى هذه الملايين الكرامة التى استعادتها، مهما دارت حولها الدوائر وأُحكِمت الالتفافات والمناورات والمماطلات، ولن يكون خراب التشبث بالحكم إلا خرابا للنظام مهما تطاير حطامه النارى وأصابت شظاياه القاتلة أرضنا والناس. سفينة هذا النظام هى التى ستتحطم إن آجلا أو عاجلا، والغرق النهائى سيكون لهذا النظام ولمن تحلقوا حوله وتعلقوا به، هذا إن لم يكن هناك فى دوائر السلطة ومؤسسات الدولة، شجاع يصرخ أو حتى يهمس للرئيس ناصحا مخلصا حاسما: «تنحَّ الآن يا رجل.
تنح بإرادتك. تنح بكرامة لن تطيل الانتظار بعد كل هذا الدم البرىء الذى سفحه القتلة فى نظامك. تنح ولا تُصغِ لوسوسات العناد، الذى لا يورث إلا الشر. تنح ولا تصغ لإغواء الشياطين الذين أفسدوا حكمك من حرس قديم وآخر جديد، فجميعهم نفايات بشرية تطفلت على دمك ودم شعبك وإن أبدت لك الإخلاص. هؤلاء لا إخلاص لهم إلا دنىء مكاسبهم من نفوذ أو فلوس أو كليهما معا. تنحَّ وليرحمنا ويرحمك الله».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.