مسلمو الدنمارك ومعاناة علي مدار عقود مضت على مدى عشر سنوات لم يكف مسلمو الدنمارك عن الشكوى من عنصرية الحكومات المتعاقبة في ذلك البلد الاسكندنافي الذي ظل بقبضة حكومات يمينية مدعومة من حزب الشعب المتطرف. موقف مسلمو الدنمارك لم يزد عن الشكوى ولم يترجم الى مشاركة فاعلة في الانتخابات العامة المتعاقبة أعوام ( 2001 و 2005 و 2007 ) سواء بالترشح أو حتى التصويت .. تارة بسبب شكوكهم في القدرة على إحداث الفارق وتارة أخرى نتيجة قلة التعليم ونقص الوعي. غير أن هذا الحال يبدو أنه اقترب من التغيير خلال الانتخابات العامة المبكرة التي ستجرى في البلاد بعد غد الخميس والتي دعا اليها رئيس الوزراء لارس لوكي راسموسن قبل أسبوعين فقط. فعرب الدنمارك ومسلموها كانوا أكثر من انكوى بنار قوانين الحكومات اليمينية المتعاقبة والتي ضيقت الخناق على المهاجرين وشددت من اجراءات منح الاقامة والجنسية، وبالتالي فهم الأكثر حماسة لاسقاطها. فأعدادهم الآن بلغت 230 ألف شخص في بلد يتجاوز تعداد سكانه الملايين الستة بقليل، حيث بدأوا في تنظيم أنفسهم وحث بعضهم البعض على إنهاء حالة السلبية التي طالما عانوا منها والتصويت لصالح الأحزاب اليسارية التي وعدت بمزيد من المكاسب للمهاجرين. فقبل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية أصدرت عدة منظمات إسلامية في مدينة أورهوس، ثاني أكبر مدن الدنمارك، بيانا حثت فيه المسلمين على المشاركة في الانتخابات البرلمانية والتصويت لصالح حزب "الراديكال" اليساري. وأشار البيان الى أن الحزب أعلن بوضوح نيته تخفيف قوانين جمع الشمل حال فوزه ، كما وعد بتخفيف قوانين الاقامة والجنسية، وبالتالي فهو الأفضل لمصلحة الدنماركيين من أصول عربية وإسلامية. الموقف نفسه تبناه المركز الإسلامي في كوبنهاجن حيث حث المسلمين على المشاركة بايجابية في الانتخابات العامة للمساهمة في صنع مستقبل أفضل لمسلمي الدنمارك. "فاتح ألو"، مدير المركز، يعترف بمرارة أن نسبة ليست بالقليلة من مسلمي الدنمارك لا يقدرون أهمية الصوت الانتخابي خاصة من جيل المهاجرين الأوائل الذين اختاروا العزلة ولعن الظروف التي جعلتهم في أحيان كثيرة رهنا للأحزاب اليمينية المتطرفة. لكن مدير المركز الاسلامي بكوبنهاجن يأمل أن يتغير الحال في الانتخابات المقبلة على يد أبناء الجيل الثاني من المهاجرين والذين ولدوا في الدنمارك ونشأوا بها فكانوا أكثر ايجابية وتفاعلا مع المجتمع. ويضيف ، فاتح صاحب الأصول التركية، أنه سيمنح صوته للحزب الاشتراكي الديمقراطي باعتباره الأكثر قربا من قضايا العرب والمسلمين، كما أنه أكثر انفتاحا وقدرة على قبول الآخر. وبنفس القدرة من الحماس يترقب "أبوحيدر"، لبناني الأصل والذي يملك متجرا للهواتف المحمولة بقلب كوبنهاجن، موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة للتخلص من قبضة حكومة يمين الوسط والذهاب يسارا بالتصويت للحزب الاشتراكي الديمقراطي. يقول أبوحيدر: يكفي 10 سنوات من حكم حكومات يمنية أو متحالفة مع اليمين، فالشعب هنا غاية في الاحترام ولا نلمس منه أي سلوكيات عنصرية، لكن الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشر الماضية جعلت من الدنمارك البلد الأكثر صعوبة في قوانين الهجرة والتضييق على الأجانب. ويضيف إنه استغل تردد الكثير من عرب ومسلمي الدنمارك على متجره لحثهم على الإدلاء بأصواتهم لصالح الأحزاب اليسارية للخروج من ذلك النفق المظلم الذي سعت حكومات اليمين الى وضع المسلمين بداخله. الصورة ليست على هذا النحو الوردي، من وجهة نظر نضال أبو عريف، الصحفي الدنماركي من أصول فلسطينية، حيث يتهم مسلمو الدنمارك بالسلبية ويقول: "هم يعيشون تحت هذه السماء الزرقاء ولكنهم لا يهتمون بما هو فوق هذه الأرض، لا من قريب ولا من بعيد، وكأنهم جاءوا إلى هنا فقط لجمع المال وإنجاب الأطفال، فقط لا غير .. فلا مشاركة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية مدروسة في هذا المجتمع الذي فتح لنا الأبواب ولكننا أبينا إلا أن ندخل منها". ويصف أبوعريف الدنمارك بأنه بلد يقدس الديمقراطية ويحث جميع سكانه على المشاركة الفاعلة في كل مجالات الحياة ويمنحهم الحق في قول كلمتهم في كل القرارات التي تتخذ في البلاد، لكن عرب الدنمارك ومسلميه كأنهم لا يدركون هذه الحقوق، فتنظر إلى تمثيلهم في المجالس البلدية والمحلية ومجالس السكان والطلبة والأحياء فتكاد لا تراهم . ووسط هذا الجدل الدائر بين مسلمي الدنمارك حول جدوى المشاركة في الانتخابات العامة من عدمه انطلقت دعوات غريبة من جماعات إسلامية متطرفة بالبلاد تحث المسلمين على مقاطعة الانتخابات العامة ويدعون الى إقامة الخلافة الاسلامية في الدنمارك. ومن أبرز تلك التنظيمات (السلفية الجهادية) و (حزب التحرير)، والأخير لا يحمل صفة حزب شرعي غير أن أعضاءه بالدنمارك يطلقون عليه تلك الصفة، وينشطون بقوة في الأحياء التي يقطنها المسلمون لحثهم على مقاطعة الانتخابات. وعلى الرغم من قلة أعداد تلك التنظيمات المتطرفة إلا أن وجودها يمثل "غصة" في حلق المسلمين بالدنمارك حيث يعتبرونهم أكثر من أساء الى الدين الإسلامي في ذلك البلد بتصوير المسلمين بهذا القدر من التعصب ورفض الآخر. يومان فقط وتفتح لجان الاقتراع أبوابها للمصوتين في الانتخابات العامة.. فهل سيدخل مسلمو الدنمارك من الباب أم سيبقون على حالهم يلعنون سوء الحظ والظروف التي أوقعتهم في قبضة حكومات اليمين؟. يذكر أن المؤرخين يعيدون وصول المسلمين إلى الدنمارك إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي حيث استقبلت الدنمارك العديد من الأيدي العاملة من منطقة البلقان وشمال أفريقيا وجنوب شرق أسيا وتركيا، وفي سبعينيات القرن الماضي جلب هؤلاء العمال عائلاتهم إلى الدنمارك. وفي الثمانينيات بدأت قوافل اللاجئين السياسيين من الشرق الأوسط في الوصول إلى مخيمات اللجوء، فكانت البداية مع الإيرانيين والفلسطينيين واللبنانيين وبعد ذلك التحق بهم الألبان والعراقيون والصوماليون إضافة إلى بضعة مئات من سوريا وليبيا والجزائر ومصر والمغرب واليمن وقلة من دول الخليج العربي، كما أنه يوجد حوالي خمسة آلاف مسلم من جذور دنماركية. وتشير الأبحاث التي كتبت عن تاريخ المسلمين في هذه البلاد أنهم اختاروا منذ البداية الانقسام حسب العرقيات واللغات الأم، فاتجه المسلمون الأتراك لإنشاء جمعيات تعنى بشؤونهم وكذلك كان الحال مع الباكستانيين والألبان والعرب