ماذا تخبّئ جيناتكم؟ بفضل فحوص الحمض النووي التي يمكنكم طلبها بالبريد الإلكتروني في البلدان المتقدمة علمياً، صار بمقدوركم إلقاء نظرة على مصيركم المكتوب في جيناتكم. دعوني أخبركم قليلاً عن حياتي: أحاول استراق النظر إلى داخل علب هدايا عيد الميلاد، أقرأ أولاً الصفحة الأخيرة من الرواية، عرفت جنس أولادي من اليوم الأول الذي تكوّنت فيه أعضاؤهم التناسلية، أعشق قراءة الأبراج وتوقعات الفلك، لا لأنني أكيدة من أن الكون يخفي أسرار حياتي، بل لأن هذا محتمل. لذلك عندما سألتني مجلة Women's Health ما إذا كنت أفكر في الاطلاع على الأمراض التي قد أُصاب بها في المستقبل، أجبت بكل ثقة: «نعم بالتأكيد». وهكذا، يوم عيد مولدي التاسع والثلاثين (نصحتني الأبراج بالحفاظ على تفاؤلي)، فتحت طرداً ملفوفاً بورق لمّاع مرسل من 23and Me، شركة خاصة للأبحاث الوراثية في كاليفورنيا تبيع أدوات فحص عبر الإنترنت ثمنها 429 دولاراً. أمضيت الدقائق الخمس التالية وأنا أجمع اللعاب في فمي كما لو أنني صبيّ مراهق. كنت بحاجة إلى ما يكفي من اللعاب الذي لا تتخلله فقاعات هواء لأملأ أنبوب الاختبار. وفيما رحت أعمل بكد، فكرت في مختلف الأمراض (السكري والسرطان والقلب) التي قتلت أقارب لي وفي ما إذا كانت هذه العلل كامنة عميقاً داخل جيناتي. وضعت العيّنة في كيس بلاستيكي ثم أقحمتها في مغلّف مبطّن وسارعت إلى مقر شركة FedEx. بدا لي هذا الاختبار أكثر إثارة من فتح الهدايا. ففي غضون ستة أسابيع سأقف في المنزل وأنا أتأمل مسودة عن مستقبلي الصحي. في الماضي، كان على كل مَن يود معرفة تركيبته الجينية أن يقصد عيادة للطب الوراثي ويجري مجموعة من الاختبارات المحددة الباهظة الثمن. أما اليوم، فيستطيع الجميع تفادي الأطباء وعياداتهم والحصول على تقرير صحي شامل باللجوء إلى إحدى عشرات شركات الفحص الجيني التي تتعامل مباشرة مع المستهلك. فقد بدأ هذا القطاع بالتوسّع بخطى سريعة. صحيح أن التكنولوجيا التي تعتمدها هذه الشركات بسيطة وغير مكلفة (تُعالَج الاختبارات على شرائح زجاجية صغيرة تُدعى شرائح جينية يمكنها مسح نحو نصف مليون نقطة من الجينوم البشري)، لكن هذه الكلفة المتدنية تخفي وراءها مشكلة كبيرة: نتائج يصعب تفسيرها. مثلاً، تجري شركة 23and Me اختبارات ل163 مرضاً وحالة صحية، وترتب النتائج في خانات ثلاث تحدد نسبة الخطر (مرتفع، متوسط، ومتدنٍّ). كذلك، تضع نجوماً قرب النتائج التي تكون واثقة منها كل الثقة (مثلاً، تتوافر أبحاث علمية كثيرة تربط جينة معينة بحالة صحية محددة) وتحدد النسب التي يُحتمل بها التقاط هذه الأمراض. ألم توقعكم هذه التفاصيل كلّها في حيرة؟ علاوة على ذلك، يوضح الدكتور جورج تشورتش، عالم وراثة من كلية الطب في جامعة هارفارد أن بعض الأمراض، مثل داء هانتينغتون، وراثيّ مئة في المئة (إن كنت تحمل الجينة، فستصاب به بالتأكيد)، لكن اختباره أكثر تعقيداً وصعوبة. أما السرطان، فهو على الأرجح نتيجة مجموعة من العوامل تشمل الجينات الموروثة وخللاً في الجينوم والتعرض للمواد المسببة للسرطان في البيئة المحيطة. صحيح أن أبحاث الحمض النووي تسير على قدم وساق (اكتشفت دراسة أخيرة 150 تغيّراً وراثياً قد تزيد فرصنا للعيش قرناً كاملاً)، إنما لا يزال قطاع شركات الفحص الجيني التي تتعامل مباشرة مع المستهلك ضعيفاً ويفتقر إلى التنظيم. نتيجة لذلك، عندما خضع الدكتور فرانسيس س. كولينز، مدير المعهد الوطني للصحة في الولاياتالمتحدة، لثلاثة فحوص جينية أجرتها ثلاث شركات مختلفة، حصل على نتائج مغايرة. فقيّم أحدها خطر إصابته بسرطان البروستات بمرتفع وآخر بمتوسط والثالث بمتدنٍّ. وعندما بدأت صيدليات «والغرينز» في الولاياتالمتحدة الاميركية في شهر مايو الماضي ببيع أول مجموعة أدوات للفحص الجيني في العالم، سارعت إدارة الأغذية والأدوية الأميركية إلى التدخّل: فلا تعتبر الحكومة هذه الاختبارات أدوات طبية، ما يعني أنها بحاجة إلى موافقة من الإدارات المختصّة. فاضطرت عندئذٍ شركة «والغرينز» إلى سحب هذه العلب من السوق. وبعد أسبوع أطلق الكونغرس تحقيقاً رسمياً في هذه المسألة. لم يتردّد زوجي في تبديد حماستي بطرحه وجهة نظر منطقية. فقد سألني: «ماذا لو اكتشفت أنك تحملين طفرات في جينتي BRCA التي تزيد احتمال إصابتك بسرطان الثدي والمبيض بنسبة 60%؟ هل تهرعين إلى المستشفى وتطلبين استئصال ثدييك؟ أم علينا زيادة قيمة بوليصة التأمين على حياتك؟ ماذا لو توقع الاختبار أنك ستُصابين بمرض باركنسون، داء لا علاج له؟». ثم ذكّرني بشخصية أوليفيا وايلد في مسلسل House، التي كادت تفقد صوابها بعدما علمت أنها تحمل جينة داء هانتينغتون. لا شك في أنه محق في كل ما قاله. ولكن فيما تغلّب فضولي على حذري، بدأت أشعر أنني فقدت اتزاني. أتمتع بصحة سليمة، على ما أظن، وأعيش كما لو أنني لا أقهر. لكن ماذا لو لم أكن كذلك؟ ماذا لو كانت جيناتي تخفي داخلها قنبلة موقوتة؟ زرت موقع 23and Me مجدداً وتأملت التحذيرات المدرجة فيه، مثل «ما إن تطلع على هذه المعلومات، لا يعود بإمكانك العدول عن هذه الخطوة» و{قد تؤثر فيك عميقاً». فأخافتني هذه الكلمات. تذكر ليز كيرناي، رئيسة الجمعية الوطنية الاميركية للمستشارين الجينيين: «لا شك في أن الاطلاع على المخاطر الجينية مسألة خطيرة، فهي في النهاية معلومات طبية». ويعتقد بعض الخبراء أن الإنسان العادي لا يستطيع استيعاب هذه المعلومات وأنه ليس مؤهلاً عاطفياً لمعرفتها. وتضيف الطبيبة والدكتورة صوفيا ميراجفر، مديرة برنامج تقييم سرطان الثدي والمبيض ومخاطره في جامعة ميشيغان: «تترتب تداعيات كثيرة على معرفة نتائج فحوص الحمض النووي». فقد رأت نساء بدأن يعانين من كآبة حادة بعد معرفتهن أنهن يحملن جينات تزيد احتمال إصابتهن بالسرطان، فضلاً عن أن معظم شركات الفحص الجيني التي تتعامل مباشرة مع المستهلك لا يقدّم أي نصح أو مساعدة نفسية أو طبية. توضح ميراجفر: «قد تكون هذه النتائج مؤذية إن لم يفسرها مستشار جيني مختصّ. ففي ظل غياب هذه المساعدة، قد يتعاطى البعض مع هذه المعلومات بحكمة ودراية، في حين يتجاوب معها البعض الآخر بطرق مؤذية». علاوة على ذلك، تدرك النساء أن عليهن في مطلق الأحوال اتباع نمط حياة سليم، مثل تناول الأطعمة المغذية وممارسة الرياضة بانتظام. لكن هل هذا ما تقوم به غالبية النساء حقاً؟ يذكر الدكتور راجو كوشرلاباتي، عضو في اللجنة الرئاسية لدراسة المسائل البيولوجية الأخلاقية: «أعتقد أن هذه الشركات تؤمّن خدمة ممتازة. فإذا كنت تعرف أنك معرّض للإصابة بمرض ما، فقد تبدّل نمط حياتك». كذلك قد تزيد نتائج هذه الاختبارات الوعي بألا داعي لأن يُصاب سائر أفراد العائلة بمرض ما ليكون مخبّأ في جيناتكم، وفق كوشرلاباتي.