كثيرة هي الحكايات التي تملأ حياتنا وينشغل بها الناس.. بل يتعاركون حولها دون أن يعرفوا مدي صدقها.. فليس هناك من يهتم بكشف الحقائق.. وربما ليس هناك من يرغب أو يقدر علي كشف الحقائق.. ولذلك تحولت حياتنا إلي متاهة كبيرة اختلطت فيها الحقائق بالأكاذيب.. وصرنا كأننا نعيش في ظلمة كبيرة مقصودة.. نتصادم فيها ونتعارك.. ويأكل بعضنا بعضا حيا وميتا بسبب غياب الحقيقة.. وغياب النور. الحكايات كثيرة ومثيرة بشأن من قتل المتظاهرين أثناء الثورة ومن ارتكب ودبر موقعة الجمل ومن اقتحموا السجون ومن قتلوا شهداء ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية.. ومن اعتلوا مآذن مسجد النور بالأسلحة الآلية وعرضت لهم الزملية لميس الحديدي فيديو واحدا ثم اختفي. ورغم ان هناك بالتأكيد شهودا واثباتات يمكن أن تقود إلي الحقيقة في كل واقعة من تلك الوقائع إلا أن هناك من له مصلحة في أن تظل الحقيقة تائهة وضائعة.. ويظل الاتهام سيفا علي رقبة الجميع.. وتظل الأطراف اللاعبة علي الساحة تضرب في بعضها. وفي الأسبوع الماضي أضيفت إلي حكاياتنا التائهة التي عادة تبدأ ولا تنتهي حكاية مثيرة حول زيارة سرية لمصر قام بها أحمد بن ناصر رئيس المخابرات القطرية بجواز سفر عادي وبحوزته مجموعة حقائب بها أموال طائلة وعندما تم اكتشاف ما بالحقائب في المطار عن طريق الأجهزة الاليكترونية اضطر الرجل إلي الكشف عن شخصيته وقام بادخال الحقائب علي أنها دبلوماسية. تناثر الخبر علي مواقع التواصل الاجتماعي بشبكة الإنترنت.. وانتشر كالنار في الهشيم.. وكان من الطبيعي أن يستخدم في الحرب الانتخابية الدائرة بين د.محمد مرسي والفريق أحمد شفيق.. كل فريق يتهم الآخر بأنه المقصود من هذه الزيارة السرية.. وبأنه يتلقي الدعم من قطر.. وتحول الأمر إلي اتهامات صريحة بالعمالة لقطر. حدث كل ذلك دون أن يصدر نفي أو تأكيد من المطار بشأن لغز شخصية رئيس المخابرات وحقائبه والأموال المضبوطة فيه.. كما لم يصدر نفي أو تأكيد من جانب الأجهزة الأمنية المختصة.. وبالذات جهاز المخابرات الذي لا يمكن أن تمر مثل هذه الزيارة بعيدا عنه. تعليق واحد علي الفيس بوك أكد صاحبه ان الصورة المنشورة ليست لرئيس المخابرات القطرية وإنما لشخص آخر وبالتالي فإن حكاية الزيارة مفبركة من ألفها إلي يائها.. ومع ذلك ظلت الأجهزة الرسمية غارقة في الصمت. وفجأة ظهر الأخ شريف ادريس منسق عام حركة تدعي "شباب التحرير".. لاحظ انها حركة تنتمي للثورة.. وأعلن أنه تقدم ببلاغ إلي المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام ضد الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة والذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس الشعب لإجراء مقابلات سرية مع رئيس المخابرات القطرية. وطالب الأخ ادريس في بلاغه بالتحقيق في الواقعة ومعرفة أسباب دخول الأموال القطرية إلي مصر في هذا التوقيت وسر زيارة رئيس المخابرات القطرية بشكل غير رسمي وغير معلن.. ومقابلته مع نائب الإخوان باعتبار ذلك خطرا يهدد أمن وسلامة البلاد. وفي نفس اليوم - الأربعاء الماضي - رد الدكتور عصام العريان علي البلاغ بتصريحات لموقع "اليوم السابع" علي الإنترنت أكد فيه بأن رئيس المخابرات القطرية الذي زار مصر جاء لمقابلة الفريق أحمد شفيق من خلال وساطة جهاز المخابرات المصري.. وهذا بحسب الأخبار التي وصلت إليه.. ونفي أنه التقي برئيس المخابرات القطرية علي الإطلاق قائلا: ان كل ما تردد بخصوص مقابلتي له هو مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة.. ومشيرا إلي أنه لم تخطره أي من الجهات المسئولة في الدولة بخصوص البلاغ المقدم ضده بأنه التقي رئيس المخابرات القطري. وهكذا تحولت الحكاية إلي لغز كبير ومثير.. ولم يخطر ببال أحد من المسئولين أننا في دولة محترمة وكبيرة لا يصح أن تسير الأمور فيها علي هذا النحو. هل جاء فعلا رئيس المخابرات القطري إلي مصر وكيف جاء وقابل من وفعل ماذا وما حكاية الأموال التي كانت بحوزته؟! هذا الصمت المريب من أجهزة الدولة ومن المطار لا يصح أن يستمر.. وإذا لم يتم الكشف عن حقيقة اللغز بدافع المسئولية الوطنية فيجب أن يتم بحكم القضاء.. يجب ألا نقف هكذا حائرين تائهين نضرب أخماسا في أسداس.. وكأن مصر ليس لها صاحب. ان رئيس المخابرات الأمريكية يأتي إلي مصر ويقابل كبار المسئولين علانية ولا شيء في ذلك.. فلماذا يضرب سياج السرية علي زيارة رئيس المخابرات القطري ان كانت هناك زيارة حقا؟! إشارات * لا نقبل إهانة القضاء.. ولا نقبل اشتغال القضاة بالسياسة ولا استقواء القضاء بالخارج وتهديد مجلس الشعب بأمريكا وأوروبا والأمم المتحدة. * لماذا الإصرار علي إهانة الصحفيين والزامهم بالزحف إلي مجلس الشوري حتي ينألوا حقهم في المواقع القيادية بمؤسساتهم؟! * ولماذا الإصرار علي هدم كل ما بنيناه في ظل الثورة والعودة إلي نقطة الصفر.. لعن الله الغرض.. فالغرض مرض.