من نجوم الفن الفرنسي التي مهدت للحركة التأثرية ولقيام المذاهب الحديثة في الفنون الجميلة.. الفنان "كامي بيسارو" الذي ولد عام 1831 وتوفي عام ..1903 وتضم مجموعة حرم محمود بك خليل في متحفه الحالي أربع لوحات من رسمه تعتبر من الكنوز الهامة التي يضمها هذا المتحف.. ولد كامي بيسارو في جزر الهند الغربية وعندما بلغ الثانية عشرة أرسله أبوه إلي باريس للدراسة لمدة ثماني سنوات. عاد بعدها إلي مسقط رأسه ليعمل في إدارة مصالح والده المالية. ولكن "كامي" ألح علي والده لكي يعود إلي باريس ويدرس الفن.. وفي عام 1855 عندما بلغ الخامسة والعشرين وافقه أبوه علي تنفيذ رغبته. فعاد إلي باريس. وكان أول ما واجهه هناك افتتاح "المعرض الدولي للصناعات الحديثة" الذي ضم جناحاً كبيراً للفن. فشاهد الشاب أعمال السابقين العظماء من أعمدة الفن الفرنسي خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر وهم: "آنجر" و"ديلا كروا" و"كورييه" و"كوروه".. وقد أعجب بلوحات "كوروه" وتحمس لها. وقد تأثر في لوحاته للمناظر الطبيعية وما تتميز به أعمال "كوروه" من رقة وشاعرية. "فبيسارو" لم يخف أبدا اعجابه بألوان "كوروه" الناعمة. وبعد أن قضي فترة في باريس أدرك انه لا يستطيع الاستمرار في تصوير المشاهد الاستوائية الباذخة التي تربي فيها في جزر الهند الغربية من الذاكرة. بل عليه أن يدرس المناظر الطبيعية دراسة مباشرة.. وقد استفاد من نصائح فناني المناظر الطبيعية الذين كانوا يقولون له دائماً: "يجب الذهاب إلي الحقول فإن ربة الوحي في الغابات!". وقد شارك "بيسارو" في المناقشات الحامية في مقاهي باريس في ذلك الوقت حول المذاهب الكلاسيكية والرومانتيكية والواقعية.. ولم تكن شخصيته قد نضجت بعد. ورغم انه نجح في عرض إحدي لوحاته بمعرض "صالون باريس" الذي تنظمه "أكاديمية الفنون" الحكومية. إلا أن أعماله رفضت بعد ذلك عندما قدمها إلي "الصالون" عام 1861 ثم عام .1863 في تلك السنة بلغ عدد اللوحات التي رفضها الصالون الرسمي 4000 لوحة منعت من العرض. فما كان من أصحاب اللوحات المرفوضة إلا أن أحدثوا أكبر قدر من الضجيج والاحتجاج. وهاجموا في كل مكان المسئولين عن تنظيم المعرض الحكومي.. وبلغ هذا الاحتجاج إلي الحد الذي جعل الامبراطور نابليون الثالث يضطر إلي إصدار قرار بإقامة صالون آخر للمرفوضين في نفس المكان عقب انتهاء فترة عرض الصالون الرسمي.. وكانت العبارة التي ذكرها القرار الامبراطوري نصها هي: "لنترك الجمهور يحكم علي أعمال المرفوضين". وهكذا وجد "بيسارو" نفسه ضمن صالون المرفوضين. وفي خلال تنقله بين المراسم الفرنسية التقي في الأكاديمية السويسرية بالفنان "كلود مونيه". الذي كان يصغره بعشر سنوات. ورغم هذا التفاوت في السن فقد توثقت أواصر الصداقة بينهما بفضل ولع كل منهما بالرسم في الخلاء. في عام 1866 أقام "بيسارو" مرسمه بين التلال والمراعي في قرية "يونتواز". وفي هذا الجو الريفي بدأ يتخلص شيئاً فشيئاً من تأثير أسلوب أستاذه "كوروه". وبدأ يكتشف الأسلوب التأثري. وانجذب إلي استخدام السكين في الرسم بدلاً من الفرشاة. فكانت لوحاته خشنة ضيقة. ولم يلبث أن تخلي عن هذا الأسلوب لأن حساسيته ورغبته في تلمس الأشياء كانت تدفعه إلي إنشاء لوحات أكثر تمثيلاً ووضوحاً وفيها ليونة ورقة.