حفل أوركسترا القاهرة السيمفوني الذي قاده المايسترو أحمد الصعيدي في المسرح الكبير بالأوبرا مساء السبت الماضي من الحفلات الهامة لهذا الفريق لأنها عادت به إلي درجة عالية من الاحتراف حيث وجدنا برنامجا متميزا يتضمن أعمالاً ذات قيمة موسيقية عالية بعضها نادر العزف في مصر كما به الفنان السوليست الذي يمثل دائما عنصر جذب للجمهور والأهم من كل هذا انه كان علي درجة عالية من الاتقان في الأداء وراءها هذا المايسترو الذي اتضحت ميزاته في هذا الحفل من الخبرة والاجتهاد والنضج الاحترافي الكامل القائم علي قاعدة راسخة من العلم الاكاديمي والموهبة والمثابرة. الحفل غلب علي برنامجه الفترة الرومانسية فكانت البداية مع مقطوعة ليوهانس برامز "1833 1997" والفقرة الثانية كانت لجوستاف ماللر "1860 19911" واختتم الحفل بالسيمفونية التاسعة لديفور جاك "1841 1904" المعروفة باسم العالم الجديد. انقسم الحفل إلي فاصلين سوف نلقي الضوء علي الفاصل الأول منه الذي لم يسبق لنا تناوله علي هذه الصفحة لندرة تقديمه في مصر. تنويعات المقطوعة التي تمثل افتتاحية البرنامج كانت "تنويعات علي لحن لهايدن.. مصنف رقم 56" كتبها برامز عام 7281 وعزفت في نفس العام في فيينا وحققت نجاحا كبيرا وترجع قصة تأليفه لهذا العمل انه كان اطلع علي مجموعة من المقطوعات الموسيقية لآلات النفخ لمؤلف العصر الكلاسيكي الشهير جوزيف هايدن "1732 1809" اعجب بها برامز فأعاد صياغتها وكتب تنويعات علي لحنها الرئيسي في البداية كتبها لآلتي بيانو ثم بعد ذلك مباشرة اعدها للأوركستررا. الطريف ان نقاد العصر الحديث اكتشفوا ان المقطوعة لم تكن من تأليف هايدن وإنما لأحد تلاميذه ولكن ذلك بعد ان سجلت واشتهرت بهذا الاسم الذي تقدم به دائما. العمل يتكون من 8 تنويعات وخاتمة ومدته حوالي 18 دقيقة مثلت استمتاعاً حقيقياً لعشاق الموسيقي حيث جاء أداء المايسترو الصعيدي علي درجة من الجودة والهضم الكامل للعمل وتفسيره بحرفية نفتقد إليها من فترة طويلة حيث يحفظ العمل عن ظهر قلب ايماءته وحركات عصاه تجعلك تتوقع ما سوف تسمعه كما أنه كشف لنا مكنون الجمال الذي تنطوي عليه هذه المقطوعة وحافظ علي ابرازه بداية من لحنها الافتتاحي بمجموعات الوتريات والنفخ حتي ختامها الاستعراضي والملئ بالتفاصيل التي تذكرنا بمؤلفات عصر الباروك وكأن بر امز يؤكد علي احترامه لمن سبقوه وايضا ايضاح قدرته علي تمكنه من أدواته وقدرته علي الابداع حيث يتميز العمل باتقان تقنيات وموتيفات وصيغ العصور السابقة والتي نادرا ما نجدها في موسيقي رومانسية ثم بين البداية والختام عشنا رحلة مع تفريعات اللحن ونموه بتوزيع وتناسق شيق بين آلات النفخ والوتريات الغليظة ثم مجموعة الكمان كل هذا مع أداء جميل من عازفي هذا الفريق الذي ظهرت هنا مهارتهم مما جعلنا نشعر بخسارة كبيرة حين تهدر طاقتهم في أعمال بسيطة أو مع قادة قليلي الخبرة يستفيدون من الفريق أكثر من استفادته منهم. بوق الصبي السحري المقطوعة الثانية في الحفل كانت 5 أغاني من مجموعة "بوق الصبي السحري" لجوستاف مالر هذا المؤلف الذي كان للصعيدي فضل ادخال مؤلفاته للسيمفوني المصري حينما كان قائدا اساسيا له ومالر يعد ممثلاً لختام المرحلة الرومانسية وتمتاز مؤلفاته بالاستعانة بالأصوات البشرية وهذه الأغاني للسبرانو والاوركسترا وغنتها لنا المغنية الايطالية الشابة "دولوريس لاهويرتا" التي تعد هي عنصر الجذب في البرنامج وقد قدمت الأغاني بشكل طيب من الناحية الغنائية ولم ينقصها إلا بعض الأداء المسرحي المعبر عن موضوع الأغنية وكلماتها. وبوق الصبي السحري هي مجموعة أشعار مختارة من 700 أغنية ألمانية قديمة تم جمعها وتنقيحها من قبل شعراء الرومانسية المبكرين بين 1805 و1808 في ثلاثة مجلدات تم جمعها من الأماكن الناطقة بالألمانية في أنحاء أوروبا وهي تعبير عن القومية الألمانية ويري بعض النقاد أن ما جذب مالر لهذه الأشعار هو وفرة الحس الموسيقي في كلمات الأشعار الألمانية. الأغاني الخمسة هي "جهد ضائع" و"الغنيوة" و"حينما تصدح الأبواق الجميلة" و"في مديح العقل الرفيع" و"الحياة السماوية" وكل أغنية لها نمط خاص استطاعت المغنية والمايسترو والعازفين ان يقدموها في اطارها الفني المعروف وبشكل متميز ارضي عشاق الموسيقي.. ونجد هنا كان واضحا حفاظ القائد علي الروح الجماعية من خلال التحكم في المجاميع الآلية المختلفة مما خدم الجانب التعبيري المتنوع في هذا العمل كما كان هناك مراعاة للتوافق بين صوت الأوركسترا والصوت البشري في معظم الأغاني. اخيرا نتمني من هذا الفريق ان تكون جميع حفلاته علي هذا المستوي الاحترافي وان يعوض في موسمه القادم ما فاته هذا العام وان يقدم لنا موسما كاملا هادفا يعود بالفائدة علي الجمهور والفريق وان نشهد فيه الإبداعات المصرية بجانب المؤلفات العالمية.