كثرت الكتابة عن الثورة. وكثر عنها المتحدثون. حتي تشابه علينا الكتاب والمتحدثون. واختلط الزائف بالحقيقي. والأصيل الثابت بالعميل المتحول. وحدنا نضرب كفاً بكف كلما أطل علينا أحدهم من جريدة أو شاشة مشيداً بالثورة ومن فجروها ولاعناً في النظام البائد الذي لم يترك فرصة إلا وركع ليلعق حذاءه. لم أشاهد سعد القرش علي شاشات التليفزيون متحدثاً. ليلاً نهاراً. كغيره عن الثورة ودوره فيها. لم أشاهده متحدثاً كوكيل عن الثورة. شارك سعد. الروائي والصحفي والمثقف. في الثورة وأدي ما اعتبره واجباً عليه ثم انصرف إلي حال سبيله كغيره من الثوار الحقيقيين أصحاب المواقف المحترمة التي تبدت طوال مسيرتهم وفي عز سطوة النظام السابق. ولأن سعد علي هذه الدرجة من الصدق مع نفسه ومع الآخرين فإن علينا تصديقه عندما يكتب يومياته عن الثورة من ميدان التحرير. وعلينا. كذلك. الاحتفاء بكتابته وتأملها بعمق حيث تكشف الكثير من المواقف وتفض الكثير من الالتباسات وتضع كل واحد. أو واحدة. في حجمه الحقيقي. "الثورة الآن.. يوميات من ميدان التحرير" كتاب سعد القرش الذي صدر في سلسلة "إبداعات الثورة" عن هيئة قصور الثقافة. ليس كتاباً فضائحياً. لم يكتبه صاحبه بدافع فضيحة أحد أو الانتقام من أحد. هو يكتب يومياته بغرض تسجيل لحظة من أنصع وأجمل لحظات مصر التاريخية. وفي سياق الكتابة تأتي الوقائع والأحداث والسلوكيات الكاشفة التي تضع الأشياء في نصابها. يقول سعد القرش ضمن يومياته عن الثورة "وكان عمرو أديب يستأسد علينا. في برنامج تقاسمت إثمه معه المذيعة رولا خرسا. زوجة عبداللطيف المناوي. مدام رولا التي هي زوجة عبداللطيف المناوي تستبسل في الدفاع عن مبارك الذي "توعد بمحاربة الفساد" وعمرو أديب الذي هو شقيق عماد الدين أديب القريب من آل سعود وآل مبارك يتوعدنا. ثم يبصرنا بأن "حسني مبارك بكل حكمة اختار الدولة.. فعل ما طلبناه في 7 أيام". في خطابه العاطفي مساء الثلاثاء عشية "موقعة الجمل" ثم ينصحنا عمرو شقيق عماد الدين أديب بالتي هي أحسن:" كل مواطن يقول للي جنبه.. مفيش مظاهرات من اللحظة دي". وفي البرنامج نفسه سمعنا شخصاً يتصل. ربما بترتيب خاص مع فريق البرنامج أو أي جهاز في السلطة. ليقول إن هناك جهة أجنبية تمنح كل متظاهر في الميدان 200 دولار وثلاث وجبات ليبيتوا في الميدان.! وبعد خلع مبارك يقول سعد في يومياته لن يتأخر عمرو أديب عن اللحاق بركب الشتامين الشامتين. ولن يتردد في البكاء علي الشاشة قائلاً: "كنا في عصر أسود ومهبب.. نحتفل النهارده بانتهاء الذل.. ليلة ذهاب الذل من مصر.. عماد أديب ذلوا أهله لأنه قال كلمة حق" عمرو أديب. زوج لميس الحديدي مسئولة الدعاية لمبارك في الانتخابات الرئاسية 2005. شقيق عماد الدين أديب ذي الحظوة من آل سعود وآل مبارك. هو الذي أطلق مقولة "من أنتم" عقب موقعة الجمل. ثم استلمها منه معمر القذافي الذي حكم شعباً لا يعرف من يكون لمدة أربعين عاماً. ولا أتصور أن القذافي عني بحقوق الملكية الفكرية لكلمتين تلخصان مأزقه. وعمرو أديب نفسه الذي أبدي شجاعة في تمزيق جثث الموتي. وهي جسارة مفتعلة لن ترضي الثوار. أهل التحرير الذين أعلنوا غيرتهم علي شرف الميدان. حين طردوا منه عمرو أديب يوم 8 فبراير. ودفعوه إلي الحدود قائلين: "برة.. برة" أغلقوا عليه صندوقاً. ولم يشغلوا أنفسهم به.. وفي اليوم التالي. وضعوا الصندوق الذي به عمرو أديب في سلة أضافوا إليها المغني تامر حسني. حين حاول اللحاق بقطار الثورة. بعد الهجوم عليه في التليفزيون تبرأوا منه. وطردوه. فإذا به مثل النساء يبكي قلة حيلته أمام الذين خدعوه في تليفزيون مبارك. كتاب سعد القرش الذي به المزيد والمزيد.. كتاب لا تنقصه الشجاعة.. ولا ينقصه الصدق كعادتنا مع كل ما يكتبه هذا الروائي والصحفي المحترم.