مازال الموقف الرسمي تجاه كارثة تقييم ليبيا وإعلان الاستقلال الذاتي لإقليم برقة دون المستوي ولا يتناسب مع مكانة مصر ومسئولياتها ودورها ومصالحها.. فقد انحصر هذا الموقف حتي الآن في الكلام الإنشائي ولم يتجاوزه إلي اتخاذ موقف حازم قاطع باعتبارنا دولة الجوار الأولي.. والقضية تخصنا أكثر من غيرنا.. وتعتبر من صميم أمننا القومي والوطني. قرأت الموقف المصري تجاه كارثة اعلان برقة في تصريحين: الأول منسوب إلي محمد كامل عمرو وزير الخارجية قال فيه ان قوة ليبيا في وحدتها وان مصر حريصة علي دعم هذه الوحدة كما أكد ثقته في حكمة الليبيين وقدرتهم علي بناء دولة حديثة وشدد علي ان مصر لن تسمح مطلقا بأي انشطة معارضة للثورة الليبية علي أراضيها وأكد منع عقد أي اجتماعات في مصر معارضة للحكومة الليبية. والتصريح الثاني منسوب إلي المشير محمد حسين طنطاوي عقب استقباله أمس للواء الركن يوسف احمد المنقوش رئيس الأركان العامة للجيش الليبي وجاء في البيان الصحفي الصادر عقب اللقاء ان الجانبين أكدا حرصهما علي وحدة ودعم الشعب الليبي وثقتهما في قدرته علي بناء دولة ديمقراطية حديثة. وحين أتحدث اليوم عن الموقف العسكري فإنني أقصد مباشرة الجانب السياسي الذي نختلف أو نتفق حوله.. أما الجانب العسكري فإن له دائرته الخاصة وتقديراته وله ايضا دواعيه التي تفرض عليه طابع السرية. وفي الشأن السياسي كنت انتظر ان يخرج من مصر تصريح رسمي يقول بكل وضوح ان مصر لن تسمح بأي عبث بوحدة الأراضي الليبية وانها تقف إلي جانب السلطة الشرعية الانتقالية ضد مخططات التقسيم وأي مساس بالسيادة الليبية في هذا الشأن يعد عملا عدوانيا موجها إلي مصر. الرسالة بهذا الوضوح لن تكون موجهة إلي الداخل الليبي فحسب ولا للقبائل والميليشيات المسلحة الطامعة في بترول المنطقة الشرقية من ليبيا - المجاورة لمصر مباشرة - وإنما ستكون أيضا موجهة إلي القوي الخارجية التي تتآمر علي ليبيا وتسعي لتقسيمها لكي تنهك الدولة الديمقراطية الوليدة فلا تقوم لها قائمة ولا تدخل في حساب القوة العربية الجامعة وايضا لكي تخلق بؤرة صراع جديدة علي حدودنا الغربية حتي نظل محاطين بصراعات في الجنوب والشرق والغرب. اعرف ان مشاكلنا كثيرة داخليا وخارجيا لكن القضايا الاستراتيجية مثل قضية برقة لا تنتظر في طابور الحل وإذا كانت ظروفنا الداخلية خلال الشهور الماضية منعتنا ان نتخذ مواقف قوية تعبر عن توجهات مصر الثورة ازاء القضايا القومية والاستراتيجية التي تتسارع وتيرتها من حولنا إلا اننا يجب أن نستيقظ وننتبه قبل ان يفوتنا القطار ونحن قد فعلنا ذلك حين أعلنت مصر عن مبادرة للتعامل مع الأزمة السورية سلميا ورفض أي تدخل عسكري أجنبي. وقد هدد مصطفي عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي باستخدام القوة لمنع تقسيم ليبيا واتهم دولا عربية ب "اذكاء الفتنة" في شرق البلاد واشارت اصابع اتهام في هذا الشأن إلي قطر بينما اشارت اصابع أخري إلي الجزائر وتستطيع مصر بموقف حازم فاصل ان تقول لكل من تحدثه نفسه بالتدخل في ليبيا من أجل مطامع استثمارية اقتصادية أو ليكون مخلب قط لقوي اجنبية طامعة في بترول ليبيا اننا لن نسمح ولن نسكت. كل دول العالم تدافع عن جوارها حتي تضمن استقرارها الداخلي وقد رأينا كيف دفعت مصر الثمن غاليا عندما اهتز الأمن في غزة وحدث الصدام والفرقة بين فتح وحماس وكيف دفعنا ومازلنا ندفع وسندفع ثمن الحرب في جنوب السودان وانفصال دولة الجنوب ودفعنا كذلك ثمن الفوضي والانفلات الذي اصاب حدودنا الغربية اثناء الثورة وكيف تدفق السلاح علينا بغزارة لينشر الخراب والدمار في بلادنا. يجب ان نتحرك بسرعة وبقوة وحسم حتي نقطع الطريق علي المغامرين والمتآمرين في ليبيا وخارجها ولو تقاعس كل من في الأرض عن نصرة الشعب الليبي والحفاظ علي وحدة ليبيا فإن علي مصر ان تقوم بمسئوليتها التاريخية ودورها العربي لضمان استمرار وحدة ليبيا وجميع الدول العربية ولا تسمح بتمرير "سايكس - بيكو" جديدة لتقسيم الوطن العربي وتفتيت اجزائه المفتتة أصلا. كنا في الماضي القريب ننادي بالوحدة العربية وتجميع الصفوف حتي نحافظ علي قوة ومهابة هذه الأمة لكننا اليوم ننادي بالحفاظ علي وحدة كل دولة من مخططات تقسيمها أليست هذه مصيبة المصائب؟! هناك أوقات يجب ان يقف فيها الكبير الموقف اللائق به مهما كانت الاحباطات من حوله والوقت مناسب لكي تعلن مصر انها الكبيرة.. وتتخذ الموقف الجدير بها.