فجَّر الزميل مجدي الجلاد رئيس تحرير "المصري اليوم" مفاجأة بالغة الخطورة في مقاله المنشور علي الصفحة الأخيرة من جريدته أمس بعنوان "اشربوا من البحر".. حيث كشف النقاب عن عملية ابتزاز يتعرض لها بالضغط والتهديد لكي ينشر مقالاً في الملحق الانجليزي التجريبي ل"المصري اليوم" كتبه "روبرت سبرنجبورج" يدعو فيه ضباط الجيش المصري والفريق سامي عنان رئيس الأركان للانقلاب العسكري والاستيلاء علي السلطة. ولاسيما بعد النتائج التي أفرزتها المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية بدعوي أن المشير طنطاوي متحالف مع التيار الإسلامي في مصر. وطبقاً لما قال الجلاد فإن "سبرنجبورج" كاتب أمريكي.. وهو رئيس قسم شئون الشرق الأوسط في مركز "العلاقات المدنية العسكرية الأمريكي" وهو مركز حكومي تابع لقوات البحرية الأمريكية.. وهو أحد فروع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون".. ومن ثم فإنه يمثل الجهة التي ينتمي إليها ويعبر عنها. ولأن هذه الجهة "البنتاجون" منتشرة ومتوغلة فإن ابتزاز الجلاد وتهديده والضغط عليه لا يأتي من قبل "سبرنجبورج" وحده. وإنما يتضامن معه مراسل صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في القاهرة واسمه "إليستر بيتشي" كما يتضامن معه بعض الأشخاص في مصر ممن أسماهم الجلاد في مقاله "الذين يعيشون بيننا وأعمتهم أضواء الغرب عن رؤية صفحة النيل الصافية". ويجب أن أثبت هنا أولاً أن الزميل الجلاد تصدي بكل قوة وشجاعة لهؤلاء الذين يحرضون ضده علي الإنترنت والذين يريدون احتلال بلدنا علي جناح الفوضي والانقلابات العسكرية وعودة مصر إلي نقطة الصفر.. ووجه رسالة في غاية الوضوح للكاتب الأمريكي تقول: إن اختلافنا في الرأي أحياناً مع المجلس العسكري والتيار الإسلامي لا يمكن أن يكون مبرراً لتنفيذ المخططات الدنيئة وأن "عقيدتنا وحضارتنا تعلمنا أن الاختلاف رحمة. وأن الجيش والإسلاميين والليبراليين وال 87 مليون مصري مواطنون ترضعهم أمهاتهم في المهد عشقاً لوطن يريد الغرب اختطافه". هذا موقف يشكر عليه الأخ مجدي الجلاد.. لكن المقال برمته يقف شاهداً علي وجود مؤامرة للتحريض علي الانقلاب ضد المجلس العسكري وضد الانتخابات.. ولا يكفي أن يؤخذ هذا الكلام باعتباره مجرد مقال يمر وينسي. وإنما يجب أن يقدم بلاغاً للنائب العام مكتمل الأركان.. ثم بلاغاً للرأي العام المصري الواسع ليأخذ حذره ويحافظ علي مكتسبات ثورته. وعلي المجلس العسكري في هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا. ونحن جميعاً ندرك أن "البنتاجون" والذين يكتبون باسمه ويعبرون عن أهدافه والذين ينفذون تعليماته علي الأرض كل هؤلاء لا يهزرون.. ولا يتحركون بشكل عشوائي أو انفعالي.. وإنما هم يخططون ويدفعون ويمولون وينصبون الشراك في كل جانب حتي تتحرك أهدافهم. وفكرة الانقلاب ليست جديدة ولا وليدة اليوم.. فقد أشار إليها عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق في أحاديثه الإعلامية قبل التنحي.. وحذرت مقالات عديدة من أي مغامرة غير محسوبة للانقلاب علي الشرعية.. واستضافت الإعلامية الشهيرة مني الشاذلي في برنامجها "العاشرة مساءً" الأخضر الإبراهيمي الدبلوماسي الجزائري المعروف ليتحدث كثيراً أمس الأول عن الكوارث التي مرت بالجزائر الشقيقة بسبب الانقلاب علي الديمقراطية بعد فوز جبهة الإنقاذ الوطني الإسلامية في الانتخابات البرلمانية أوائل التسعينيات في القرن الماضي.. وكأنها تستشعر شيئاً ما وتدق ناقوس الخطر. وأنا وكثيرون مثلي لا ننكر أننا نستشعر أيضاً شيئاً ما وندق ناقوس الخطر.. ونري أن انتقاد أداء المجلس العسكري واجب وضروري ولكن إهانة المجلس ورجاله. وتسفيههم والتقليل من شأنهم والدعوة إلي أن يتركوا السلطة فوراً.. كل هذا خروج علي ضمير الأمة. وضمير الوطن.. وفيه تجاوز كبير وإغراء لدعاة الانقلاب. وربما يقتضي المقام أن نحذر جميع الأطراف من الاستهانة بالضمير الوطني وبإرادة الشعب.. فنحن لن نقبل بالانقلاب علي المجلس العسكري وخريطة الطريق التي وضعها لنقل الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة بحلول أول يوليو 2012. ولن نقبل بالانقلاب علي الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة التي ذاق فيها المواطن المصري حلاوة الحرية والكرامة. وأدرك لأول مرة قيمة صوته في عملية التغيير السياسي. قد نتفق وقد نختلف.. فهذه سنة الحياة.. قد تأتي الانتخابات بما يرضي هذا الطرف أو ذاك.. لكننا في النهاية لا يمكن أن ننجرف إلي مؤامرة رخيصة للانقلاب نراها أمام أعيننا رأي العين.. ونحس بها في غمزة قلم أو لمزة حوار تليفزيوني مفضوح.. فقد نضجت مصر بما فيه الكفاية.. وكبرت علي هذه الهلاوس ووثقت تمام الثقة بأن خلاصها التاريخي من كل أزماتها ومشاكلها وتخلفها لن يتحقق إلا بالديمقراطية وعبر صناديق الانتخابات. وعلي الذين يقفون علي النواصي يصطادون تصريحاً غريباً من هنا أو فتوي غريبة من هناك لإثارة الفزع من الليبراليين والإسلاميين وتبرير الانقلاب علي الديمقراطية.. هؤلاء عليهم أن يتقوا الله في وطنهم.. فأموال "البنتاجون" وأموال الدنيا كلها لا يمكن أن تكفر جريمة خيانة الوطن في لحظة انتصاره.