في أحد الأيام دبر أهل النفاق مكيدة لأهل المدينة من الأنصار في محاولة لزعزعة الاستقرار بالمجتمع الذي وضع قواعده سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وإشعال نزيف الحرب بين أبناء القبيلتين الكبيرتين بالمدينةالمنورة وهما الأوس والخزرج وتمثلت هذه المكيدة في الإيعاز بمكر إلي رجل لكي يتسلل إلي مجلس هؤلاء الرجال ويبذل أقصي جهد من أجل تذكير أبناء هاتين القبيلتين بما كان يجري بينهما في الماضي من حروب وأخذ يذكر بعض الاشعار التي كانت تنطلق علي الألسنة وفي مختلف الأوساط خلال هذا الماضي البعيد. لم يتوان الرجل وأسرع إلي مجلس الأنصار وأخذ يقرأ بعض هذه الأشعار التي تشير إلي أسباب القوة التي تتمتع بها إحدي القبيلتين وأخذت النار تسري في عروق هؤلاء فانبري كل منهم كي يدافع عن أهله وعشيرته وحدث لغط وكادت تنجح المؤامرة الدنيئة في إشعال الفتنة بين أصحاب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حقداً وغيظا وفي وسط هذا التشاحن خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم من مقره والغضب يملأ وجدانه وأخذ يقول: "أهكذا وأنا بين ظهرانيكم. لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" علي الفور توقف هذا الحوار وأقبل الصحابة كل منهم يقبل الآخر ويبدي أسفه لما بدر منه. وأخذ الحب والمودة والتآلف يعود إلي القلوب بعد هذه الزوبعة التي أثارها ذلك الرجل الخبيث. في نفس الوقت اختفي الرجل بعد أن فشلت مؤامرته الدنيئة قفزت هذه الألاعيب الماكرة إلي الذهن عقب تداعيات الأحداث طوال الأسبوع الماضي بميدان التحرير وفي بعض المحافظات الأخري كالسويس والاسكندرية وكلها تنذر بعواقب وخيمة وتشتم منها رائحة مخططات لتشويه الصورة وإراقة الدماء ونشر الفوضي وإثارة الأحقاد والبغضاء بين مختلف الطوائف والفئات مما يستدعي الانتباه إلي تلك المخططات التي لم يكسب منها أحد وكل الأطراف خاسرة. هذه التداعيات الخطيرة تتطلب اليقظة التامة من كل فئات شعبنا خاصة الحكماء وعقلاء هذه الأمة هل هانت علي هؤلاء بلادهم. وهل ضمائرهم لم تحترق وهي تري هذه الدماء تسيل بغزارة والشهداء يتساقطون أمام أعينهم.. أليس منكم أيها الحكماء رجل رشيد يتحرك بفاعلية لوأد هذه الفتنة ويتأسي برسول الله صلي الله عليه وسلم حينما خرج علي أصحابه وهم يتشاجرون وأصدر تعليماته بوقف هذا التشاحن. وقد امتثل الصحابة لأوامر رسول الله صلي الله عليه وسلم. ان الأمر يتطلب التحرك بأقصي سرعة وبذل الجهد من أجل حقن الدماء فوراً ووقف هذا العبث الذي يساهم في تدمير مصر وتتحول منشآتها إلي خراب. يا أمة الحضارة أليس من بينكم عقلاء سواء من المسلمين أو المسيحيين تتضافر جهودهم وتتوحد رؤيتهم حتي تظل مصر واحة الأمن والأمان. ان رب العالمين سوف يحاسبنا جميعاً اذا لم نبادر باتخاذ خطوات لرأب الصدع ولا نكن كأصحاب تلك القرية التي كانت آمنة مطمئنة فانقلبت علي أعقابها وتحول الاطمئنان إلي قلق واضطراب وأصبح أهلها يعيشون في رعب وفزع. ان رب العالمين قد ضرب لنا مثلا في سورة النحل عن تلك القرية التي تحولت من الطمأنينة إلي القلق والحزن والأسي تقول الآيات الكريمة "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" 112 النمل- هذا المثل يضربه الله لنا لكي نعتبر جميعاً ونتدبر أمورنا ولنضرب جميعاً بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه المساس بأي موقع أو منشأة في بلادنا وان الله سبحانه وتعالي لم يذكر هذا المثل في القرآن الكريم الا لكي نتدبر وندرك ان الاتكالية والتنصل من المسئولية تحت أي زعم من المزاعم سوف يحاسبنا الله حساباً عسيراً لاهدار هذه الأرواح وتدمير تلك المواقع التي امتدت اليها يد العابثين فهل نري في القريب العاجل تحركاً من القوي حتي لا نكون مثل تلك القرية التي أشار إليها الله سبحانه في سورة النحل. إن الله سبحانه لم يترك أمراً من الأمور التي تساهم في نهضة الأمم وتؤدي إلي نشر التنمية والتعمير الا أشار اليها كذلك يذكر أبناء العالم الاسلامي بضرورة نبذ التناحر والاختلاف وقد جاء هذا التحذير واضحاً في سورة الأنفال يقول ربنا جل وعلا: "وأطيعو الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين" 46 الأنفال. حقيقة هذا المضمون الذي تناولته الآية الكريمة ينطبق علي أبناء مصر هذه الأيام حيث لم نر أي من اثنين يتفقان علي رأي واحد. فأي قضية تطرح للنقاش نري فريقاً يختلف مع الفريق الآخر ويحتدم النقاش دون ان يخرج أي متابع لهذا الحوار بأي نتائج تؤدي إلي بعث الطمأنينة في النفوس لكن الأدهي ان المتابع يخرج من هذا الحوار مرتبكاً ولا يدري أي طريق يسلك. فهل حان الوقت لكي نتدبر أمورنا ونترك هذا التنازع ونلتفت بكل همة ونشاط إلي وقف نزيف الدم ليتنا تتوحد رؤيتنا ونأخذ زمام المبادرة لنزع فتيل هذه الأزمة التي استشرت بأبناء مصر لا تجعلوا اليأس يسيطر علي نفوسكم. اطردوا نوازع الشيطان. ولنتذكر جميعاً قول الله تعالي "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" وفق الله الحكماء والعقلاء لاتخاذ مبادرة تضع نهاية لهذه المأساة. دعاء ربنا أسألك حسن الخاتمة. ربنا هب من لدنك رحمة وهييء لنا من أمرنا رشدا. اللهم فرّج الكرب واذهب الهم والحزن. رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب ان يحضرون.