كثير من الناس أفاء الله عليهم بالنعم البعض سجد لله شكراً علي هذا الفضل الذي منحه الحق تبارك وتعالي له وآخرون تنكروا لذلك الرزق الذي أتاه بغير حساب وزعم أن هذا الثراء تحقق بعلمه وسعيه فقط وتناسي أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين. هذا الصنف الأخير لا يجري الخير علي يديه وهو مهدد بزوال هذه النعم التي هي من فضل الله. أهل الشكر يعترفون بفضل الله عليهم ويرفعون آيات العرفان للحق تبارك وتعالي الذي اختصهم دون غيرهم من البشر بتلك النعم. وفي نفس الوقت كان الصبر حليفهم في الوفاء بحق هذه النعم. وفي مقدمة هؤلاء الأنبياء. لم يبخلوا بعطاء وكانوا يقدمون أفضل ما لديهم لكل محتاج دون من أو أذي. التواضع ديدنهم والهمة العالية هي أسلوبهم فها هو أبوالأنبياء سيدنا إبراهيم حينما جاءه وفد من الملائكة في صورة رجال يبدو عليهم الوقار والسماحة لم ينتظر أية لحظة في إكرامهم بأن أصدر أوامره بذبح عجل سمين. ثم قدمه إليهم دون أن يعرف أنهم ملائكة. لأن الكرم والفداء هي الطبيعة الأساسية لخليل الرحمن. منحه الله الملك والحكمة وزاده من فضله لأنه دائم الشكر للحق تبارك وتعالي "أم يحسدون الناس علي ما أتاهم الله من فضله فقد اتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكاً عظيماً" 54 النساء. ومن ذرية سيدنا إبراهيم كان نبي الله داود "ولقد أتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا علي كثير من عباده المؤمنين" 15 النمل. اعتراف بهذا العطاء واختيارهما لفضل رب العالمين دون كثير من الناس. تقديراً من رب العاملين "ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً" 25 الإسراء. الاصطفاء من الله "إن الله اصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين. ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم" 33. 34 آل عمران. وفي هذه المسيرة الطيبة كان سيدنا سليمان ابن نبي الله داود. نعم العبد إنه يعترف لربه بالفضل ويقدم للبشرية جمعاء نموذجاً وقدوة في هذا المجال وقد حكي القرآن الكريم مسيرة هذين النبيين هدي وموعظة لأولي الألباب. وتذكرة للعالمين بأن من يشكر الله يدم الله عليه الفضل ويزيده من الخيرات ففي سورة النمل جانب من تلك السيرة العطرة "وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين" ومن فضل الله علي هذا الابن البار أن الله أعطاه ملكاً عظيماً "قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب. فسخرنا له الرياح تجري بأمره رخاءً من حيث أصاب. والشياطين كل بناء وغواص. وآخرين مقرنين في الاصفاد. هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب" 35- 39 سورة ص. تلك نتيجة الشكر والتواضع والاعتراف لله صاحب الفضل الذي منح هذه النعم الكثيرة وتقديراً من رب العباد لهذا الشكر والتواضع يقول ربنا: "وإن له عندنا لزلفي وحسن مآب" 40 ص. ليس هذا فحسب وإنما حينما "حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون" كان سليمان مدركاً للغة هؤلاء فقد علمه الله "واتقوا الله ويعلمكم الله" وحينما مضي سليمان بهؤلاء الجنود وتصادف أن مروا علي وادي النمل تحركت نملة وقالت لأبناء مملكتها احذروا سليمان وجنوده حتي لا تقعوا فريسة تحت أقدامهم. من فضل الله عرف سليمان كلام هذه النملة فابتسم ضاحكاً وقدم آيات الشكر لله عز وجل "فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلي والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين" 19 النمل. إنها نعم الله التي من الله بها علي سليمان ووالده داوود وقد كان دوام الشكر الطريق لدوام النعمة وتدفق عطاء الله. وتلك الأمثال يضربها الله لقوم يتفكرون ويتدبرون ويترسمون هذا الطريق لأن الشكر سبب زيادة العطاء. "لئن شكرتم لأزيدنكم" وأما بنعمة ربك فحدث. ولهذا كان الجزاء من جنس العمل. إن الذين أتاهم الله عطاء يجب أن يبادروا بالشكر لله أولاً وقبل كل شيء وأن يكون السخاء والكرم هو الطريق لمزيد من الثراء ولعل مسيرة نبي الله داوود وولده نبي الله سليمان هو النموذج والقدوة. فها هو سيدنا داود قد علمه الله صناعة دروع الحرب فأدخل تطويراً عليها "وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون" 80 الأنبياء ورغم هذا الفضل وتلك النعم فإن هذا النبي كان يأكل من عمل يده. يقول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم "رحم الله داود كان يأكل من عمل يده" فالسعي والعمل الجاد هي مهمة البشر لا فرق بينه وغيره ولذلك كان هؤلاء الأنبياء يحرصون علي تطبيق هذا المبدأ علي أنفسهم. فقد كان سيدنا محمد يتقاسم العمل مع أصحابه وكان أجود من الريح المرسلة. ففي يوم الأحزاب أخذ قسمة له في حفر الخندق حول المدينة. وكان الصحابة قد اعترضتهم صخرة فقام رسول الله بضربها فتحولت إلي قطع صغيرة متناثرة. عمل وشكر لله فهل نقتدي بهؤلاء الأنبياء إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. ***** دعاء ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا وآتنا ما وعدتنا علي رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. اللهم ارزقنا رزقا حلالاً موسعاً. وامنحنا رضاك. وقنا شح النفس. وابعد عنا وساوس الشيطان. ونسألك يا ربنا أن تحسن عاقبتنا في الأمور كلها.