لم يكن مهرجان الشعر الشعبي الذي نظمه مركز الشعر الشعبي التابع لدائرة الثقافة بالشارقة . مجرد مهرجان للإنشاد الشعري فحسب. لكنه كان بمثابة الملتقي الأكبر في الوطن العربي لشعراء ونقاد الشعر الشعبي. وشهد العديد من الأمسيات الشعرية والندوات النقدية وحفلات التوقيع. فضلًا عن التواصل الذي أحدثه المهرجان بين عشرات من الشعراء الشعبيين الذين جاءوا من مصر والسعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان واليمن والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان والأردن وتونس والمغرب والجزائر والسودان وموريتانيا . ومعهم شعراء الإمارات. وحرص الجميع علي عقد جلسات خاصة في أماكن إقامتهم. ينشدون فيها الشعر ويتناقشون حوله. ما أحدث نوعًا من التواصل والتعارف بين شعراء عرب ما كان لهم أن يتعارفوا لولا مهرجان كبير كهذا. المهرجان الذي انتهت دورته الرابعة عشرة الثلاثاء الماضي. حظي برعاية ودعم الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي . عضوالمجلس الأعلي حاكم الشارقة .الذي حرص علي حضور حفل افتتاحه بقصر ثقافة الشارقة ولقاء المشاركين به وتكريم المبدعين الرواد.حيث يحتل الشعر الشعبي مكانة كبيرة لدي الشيخ القاسمي الذي يقول " إن اعتناء الشارقة بالشعر الشعبي والنبطي لم يأت من فراغ. بل هناك حاجة ملحة في عالمنا العربي دعتنا لذلك الاهتمام بهذا الرافد الثقافي والتاريخي للأمة". تحدث الشاعر د. سلطان بن محمد القاسميمدير مركز الشعر الشعبي ومدير المهرجان عن شعار الدورة الرابعة عشرة التي حملت مضمون التواصل الثقافي العربي والوحدة العربية للتأكيد علي توطيد العلاقات تحت مظلة العروبة الجامعة للفكر الواحد الذي تحمله القصيدة الشعبية وهي تمد جسور الإبداع وتعرف باللهجات العربية في مهرجان قرب المسافات بين المبدعين خلال مشواره الأصيل. ألقي راشد شرار قصيدة "قدوة الأمة" التي أشادت براعي الاحتفال وما يقدمه لأبنائه الشعراء والأدباء في مهرجان يحتفي بالنتاج الإبداعي لهم من خلال طباعة أشعارهم وقراءة هذه الإبداعات بعين نقدية ما يجعل الشارقة قبلة ومنارة للمبدعين والفعل الثقافي علي الدوام حيث تمت طباعة خمسين ديوانا لشعراء من الخليج والإمارات ضمن نشاط وبرامج رابطة الشعر الشعبي التي أمر سموه بتشكيلها العام الماضي . وخلال الافتتاح تم عرض فيلم وثائقي عن المسيرة الشعرية للمكرمين الشعراء الثلاثة وهم الشاعر بطي المظلوم السويدي والشاعر سالم سيف الخالدي والشاعرة ريما عبدالله الشرفا " تنهات نجد". وقدم الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي الشهادات التقديرية والدروع التذكارية إلي الشعراء المكرمين. اتخذ المهرجان "القصيدة الشعبية .. منصة للتواصل" عنوانًا له . وقد تجسد هذا العنوان علي أرض الواقع . حيث أتاح المهرجان فرصة التواصل بين شعراء الشعر الشعبي في الوطن العربي. وتعرف كل منهم علي تجارب الآخرين. وهي فرصة لا تتاح كثيرًا لهم . حيث تهتم أغلب المهرجانات في وطننا العربي بالشعر الفصيح. وتهمل كثيرًا هذا اللون من الإبداع الذي يعبر أكثر عن هوية الأمة . ويعكس عاداتها وتقاليدها وقيمها. كما تجسد العنوان في تواصل جمهور الشعر في الإمارات مع تجارب شعرية جديدة ربما لم تتح له الفرصة للتواصل معها. وهذا ما يحسب للمهرجان. لأن الدراسات النقدية عن الشعر الشعبي في الوطن العربي شحيحة ونادرة . فقد حرص المهرجان علي تعويض هذا النقص . وأوكل لعدة نقاد مهمة دراسة قصائد الشعراء المشاركين في المهرجان. وهو تقليد يتبعه المهرجان للعام الثاني علي التوالي. وبالتأكيد فإنه مع توالي دورات المهرجان ستكون لدينا حصيلة وافرة من الدراسات النقدية حول الشعر الشعبي. ما سوف يؤدي إلي المزيد من التواصل مع هذا الشعر الذي لم يأخذ حقه من النقد بعد. لم يكتف المهرجان بعقد فعالياته في الشارقة. تلك الإمارة الباسمة التي تعد الآن واحدة من أهم عواصم الثقافة في الوطن العربي . بل حرص علي الانتقال بفعالياته إلي أكثر من مكان . لهدف توسيع رقعة المهرجان من ناحية . ومن ناحية أخري ليتعرف الشعراء الضيوف علي مناطق جديدة في دولة الإمارات ربما لم تتح لهم زيارتها من قبل . عقد المهرجان إحدي أمسياته في مسرح أبوظبي . وعقد أخري في مسرح البطائح. واختتم أعماله بقصر تقافة دبا الحصن في حضور الشيخ سعيد بن صقر القاسمي نائب مدير مكتب الحاكم في خورفكان. الدواوين الشعرية التي أصدرها مركز الشعر الشعبي وبلغ عددها خمسين ديوانًا . كان لها نصيب في المهرجان الذي خصص عدة حفلات لتوقيعها في حضور أصحابها . وهي أيضًا إضافة مهمة للمهرجان . فمن المعروف أن معظم الشعراء الشعبيين لا يحرصون علي إصدار أعمالهم في دواوين مطبوعة. وهو بذلك يوثق لهذا الشعر ويحفظه من الضياع. ويتيح له فرصة أكبر من الانتشار. وقد أكد الشاعر راشد شرار أن المركز سيواصل إصدار المزيد من الدواوين للشعراء العرب من الدول العربية كافة. جاء تنظيم المهرجان في غاية الانضباط. وحرص الكثيرون من محبي الشعر الشعبي علي حضور فعالياته . كما حرصت العديد من القنوات الفضائية والصحف العربية علي متابعة الفعاليات ما يعكس أهمية المهرجان ودوره في النهوض بالشعر الشعبي وتوسيع رقعة انتشاره. وحرص المهرجان علي تكريم المشاركين فيه بمنحهم دروعًا تذكارية وشهادات تقدير. كما حرص علي تكريم الجنود المجهولين الذين شاركوا في تنظيمه . ومنهم دينامو المهرجان الإعلامي محمد عبدالسميع. وهونموذج مشرف للمثقف المصري . وكذلك ناصر الخفيري . ومريم محمد وغيرهم. سبعة أيام أمضاها الشعراء العرب في ضيافة الشارقة الإمارة الباسمة التي تعد الثقافة زادًا يوميًا بالنسبة لها. أنشدوا الشعر. وشاركوا في الندوات النقدية . وتواصلوا وتعارفوا. وعادوا بزاد معرفي وإنساني وانفتاح علي تجارب الآخرين. واستمتعوا بالسياحة الروحية في ربوع الإمارات. آملين في اللقاء مرات ومرات في حضرة الشعر وحضرة الداعمين له والمقدرين لدوره وأهميته.