كثر الحديث عن قانون دور العبادة الموحد وسط الفتنة المؤسفة التي ألمت بنا.. الكل يطالب بإصدار القانون فوراً علي أساس أنه الحل للمشاكل الخاصة ببناء الكنائس وبالتالي القضاء علي الأزمات الطائفية التي تنفجر في وجوهنا بين فترة وأخري.. ونسي الجميع أو تناسوا أن حكومة د. عصام شرف أعدت فعلاً مشروع قانون لدور العبادة الموحد في يونيه الماضي لكنه قوبل بالرفض من قبل المسيحيين والإسلاميين.. وعقد البابا شنودة اجتماعا مع رؤساء الكنائس والطوائف في مصر واتفقوا جميعا علي رفضه.. كما رفضه السلفيون والجماعات الإسلامية.. ومن ثم وضع في الأدراج ولم يصدر. تضمن مشروع القانون سبع مواد تنص علي ما يلي: * يفوض المحافظون - كل في نطاق محافظته - في مباشرة الاختصاص بالترخيص ببناء دور العبادة أو هدمها أو إحلالها أو تجديدها أو ترميمها خلال 3 شهور من تاريخ تقديم الطلب ويعتبر عدم الرد موافقة ولا يجوز رفض الطلب إلا بقرار مسبب. * لابد أن يقدم الطلب مشفوعاً بموافقة وزارة الأوقاف بالنسبة للمساجد أو موافقة مسئول الطائفة الدينية بالنسبة للكنيسة. * يجب أن يتناسب عدد دور العبادة لكل ديانة من الديانات المعترف بها في مصر في كل قسم أو مركز داخل كل محافظة مع عدد وكثافة السكان المقيمين بالفعل في القسم أو المركز والمنتمين للديانة المطلوب بناء دار العبادة لها وبما يفي بحاجتهم الفعلية لممارسة شعائرهم الدينية. * يجب ألا تقل المسافة بين المكان المطلوب بناء دور العبادة فيه وبين أقرب دور عبادة مماثل وقائم بالفعل عن ألف متر.. وألا يتم بناء دور العبادة علي أرض زراعية إلا في حالة الضرورة القصوي.. وبعد موافقة وزارة الزراعة.. وألا يتم بناء دور العبادة علي أرض متنازع علي ملكيتها. * يجب ألا تقل مساحة بناء دور العبادة عن ألف متر مربع.. ويشترط بناء دور أرضي للانشطة الخدمية ومحل اقامة لمقيمي الشعائر. * حظر بناء دور العبادة تحت العمارات السكنية أو فوقها أو علي شواطئ النيل أو الترع أو المناطق الأثرية. * معاقبة من يخالف أحكام القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد علي خمس سنوات.. وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد علي ثلاثمائة ألف. المسيحيون اعترضوا علي مشروع القانون لأنه يجعل بين كل دور عبادة لطائفة وطائفة أخري ألف متر.. وقد رأوا أن هذا غير واقعي لأن مساحة الكثير من القري صغيرة.. وهناك قري تكون الكثافة السكانية فيها عالية مع صغر المساحة فيكون السكان في حاجة إلي دور عبادة علي مسافات أقل.. كما اعترضوا علي أن تكون مساحة دار العبادة ألف متر مربع وطالبوا بأن تكون المساحة أقل حتي لا يكون هناك تعجيز. واعترضوا أيضا علي المادة التي تشترط ألا تكون الارض متنازعا عليها إذ يمكن أن يفتعل أي نزاع لمنع بناء كنيسة مثلا.. واعترضوا علي معيار الكثافة السكانية كشرط لبناء دور العبادة دون تحديد الحد الادني لعدد السكان. أما اعتراض الإسلاميين فتركز في مسافة الألف متر التي تفصل بين دار العبادة ودار أخري خصوصا أن الشيوخ لا يستطيعون الذهاب إلي المساجد وقطع ألف متر كل يوم خمس مرات.. وطالبوا بأن ترتبط دور العبادة بالكثافة لأن المسلمين يصلون في الشوارع.. وقد جعل القانون من حق كل مسيحي أو أسرة مسيحية بناء كنيسة مادامت أقرب كنيسة تزيد علي ألف متر في حين أن ألف أسرة مسلمة أو أكثر لا تملك بناء مسجد علي مسافة كيلو متر. وعلت أصوات هؤلاء الإسلاميين لطلب المساواة بين الكنيسة والمسجد في رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يمثل الدولة علي الأموال التي تدخل لكل منهما. ثم دخلت منظمات المجتمع المدني علي الخط لتطالب بحق الشيعة والطوائف الدينية غير المعترف بها رسميا في مصر ببناء دور العبادة الخاصة بها وان يتضمن القانون هذا الحق للجميع. كان من نتائج هذا الجدل أن تقدم ممدوح إسماعيل محامي الجماعات الإسلامية بإنذار علي يد محضر إلي رئيس مجلس الوزراء د. عصام شرف للمطالبة بمنع صدور القانون كما اقامت الكنيسة المعمدانية دعوي قضائية ضد رئيس الوزراء لوقف القانون الذي وصفته بأنه عنصري حتي لا يخرج للنور. وقد خرجت مطالبات تدعو إلي بناء دور العبادة بدون أي شروط وهو أمر غير منطقي بالطبع في مجتمع يعاني أشد درجات الاستقطاب الديني والسياسي.. كما خرجت مطالبات تدعو إلي أن تكون المسافة بين دور العبادة 200 متر بدلا من ألف متر. واعتقادي الشخصي أن القضية الآن ليست قضية قانون وتشريعات فأي قانون يوضع لن يحظي بالقبول العام لأن الصدور مشحونة بالغضب والتعصب.. وقد يكون من الأفضل البدء بتهيئة الرأي العام لتجاوز الأحداث والتوترات الطائفية والاستعداد لمناقشة شروط القانون في مناخ ملائم. الحل في رأيي يكمن في معالجة المناخ الطائفي وايجاد خطاب سياسي وإعلامي وديني معتدل يبتعد عن شحن الجماهير بوقود الفتنة ويعيد الجميع إلي الوطن وليس الطائفة. وعندما يتغير المناخ العام ونعود إلي قيم التسامح والتعايش السلمي.. ونرتبط جميعا بقضايا واحدة حول التنمية والديمقراطية والانتخابات الحرة وبناء مؤسسات الدولة سوف يصبح في الإمكان إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة.. وربما ساعتها لن نحتاج لهذا القانون.