مر امس السبت 16 سبتمبر الذكري الحادية عشرة علي وفاة الفنان الكوميدي فؤاد المهندس "1924- 2006" الذي يعتبر واحداً من أهم "صناع الضحك في تاريخ الكوميديا المصرية وواحداً من الفنانين القلائل الذين تركوا بصمة بارزة في جميع الوسائط الفنية الجماهيرية من مسرح وسينما وتليفزيون وراديو" واكن من الذكاء بحيث يختار لكل "وسيط" ما يناسب جمهوره والظروف التي تتحكم فيه اجتماعياً ومادياً وموضوعياً. فمن خلال الإذاعة توجه للصغار في برامج الأطفال. وفي نفس الوقت قدم للكبار طوال سنوات متواصلة برنامجه الشهير "كلمتين وبس" الذي كان أشبه بالرسائل التلغرافية اليومية القصيرة المحملة بالنقد الاجتماعي ورصد الظواهر السلبية وسلط الضوء علي كثير من النواقص. وكان المهندس واعياً بالرسائل المجتمعية وأهمية اختيار لغة الخطاب المناسبة للموضوع الذي يتضمنه. ولم يكن غافلاً بدور الفنان ومسئوليته في كثير من إنتاجه الكوميدي. وقد حباه الله بصوت قوي جداً ومتميز للغاية. يطوعه بدرجات مختلفة وينغمه بأسلوب ظريف يضاعف من الرغبة في الضحك ويتماشي مع ما يتطلبه الموقف. فقد كان "للمهندس" لوازمه اللفظية و"إيفيهات" الحركية الخاصة التي يستعذبها الجمهور. ويقلدها مثلما كان هو هاويا قادرا علي التشخيص والتقليد الكاريكاتوري بالأسلوب الخاص به. وفي التليفزيون العام كانت فوازير "عمو فؤاد" التي استمرت 18 عاماً علامة بارزة وماركة مسجلة وبمثابة "وجبة" فنية شهية أحبها الصغار مثلما انجذب إليها الكبار. إنه كوميديان يسكنه قلب طفل وروح "مهرج" وعقل إنسان حكيم ولديه خاصية استشعار للأشياء التي يهواها الأطفال ويطرب لها الكبار في نفس الوقت. إن الكوميديا من أكثر الأنواع الفنية خصوبة في مصر والشعب المصري اشتهر بخفة الدم والذكاء وسرعة البديهة وصناعة النكتة الفورية وليس من المستغرب أن يضم تاريخه الضاحك "كتائب" من الممثلين الكوميديين علي اختلاف ألوانهم وأجيالهم ومقوماتهم. فالمؤكد أن فؤاد المهندس يختلف عن إسماعيل ياسين وعبدالسلام النابلسي. وعن علي الكسار ونجيب الريحاني. وعن عادل إمام ومحمد صبحي والاختلاف يضيق أو يتسع حسب الحقب الاجتماعية والذوق العام السائد في كل مرحلة ولكن هذا لا ينفي أنهم يلتقون جميعاً في قدرتهم علي "إضحاك" المتفرج العربي وليس فقط المصري وبأنهم قادرون علي تحقيق هذا الهدف الطيب "الضحك" حتي مع ظهور "الكتائب" الجديدة من صناع الضحك مثل محمد سعد ومحمد هنيدي. وأشرف عبدالباقي. أو الأجيال الأصغر التي أصبحت تحتل مساحة ملموسة حالياً في صناعة الترفيه الكوميدي. لم أكن شخصياً من عشاق سينما فؤاد المهندس التي ينتمي معظمها إلي نوع "الفارس" "farce" أي العمل الفني المضحك الخفيف والسريع الذي يعتمد علي مهارات الممثل الكوميدي ولغته الجسمانية وأسلوب أدائه الحركي وقدرته علي إنتاج "اللوازم" و"الإفيهات" الصوتية والبدنية الخاصة به "فيفا زالاطا. أنت اللي قتلت بابايا" "أخطر رجل في العالم" "العتبة قزاز" ولكنني في نفس الوقت لا أنكر قيمة أدواره في أفلام مثل "أرض النفاق" و"عائلة زيزي" "إنها حقاً عائلة محترمة" ولا إعجابي بكثير من أعمال "الدويتو" المتميز جداً الذي ظل يمتعنا طويلاً أعني هو وشويكار.. فالاثنان شكلا حالة خاصة وتجاوباً فنياً من نوع فريد وتنوع يضم الأغنية والرقصة والمواقف الفكاهية التي أصبحت "ماركة" مميزة. فالاثنان معاً من صناع الضحك والمرح والفرح. وكثير من إنتاجهما معاً قادر علي عبور الأزمنة والتفاعل مع أجيال جاءت بعدهما. إن مرور 11 عاماً علي وفاة فؤاد المهندس لم يؤثر علي قوة حضوره فنياً و92 عاماً مرت علي ميلاده يؤكد أن لفن الكوميديا وصناعة الضحك في مصر خاصية الاستمرار والتأثير بقوة وذلك منذ ان اكتشف الإنسان أهمية "الضحك" في حياة الشعوب وبصفة خاصة عند الشعب المصري الذي ظل وسوف يظل يستخدمه "سلاحا" يواجه به أعداءه ويسخر منهم بل ويواجه به ذاته بما لها وما عليها.