ما أن تقترب مناسبة دينية حتي تقوم العديد من الجمعيات والمؤسسات بعمل دعاية إعلانية موسعة في الصحف أو الميادين والشوارع وغيرها تعلن فيها عن استعدادها لمساعدة الناس غير القادرين في أداء الحج أو شراء الأضحية بالتقسيط رغم أن ذلك ليس واجبا علي غير المستطيع فالله سبحانه وتعالي يقول: "ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" ونفس الشيء ينطبق علي الأضحية وغيرها. أكد العلماء أن أصحاب هذه الإعلانات يقومون بها لتحقيق مكاسب مادية من وراء هذه العبادات فالأضحية سنة وأن شراءها حتي ولو بالتقسيط ديون متراكمة علي المضحي غير المستطيع. يقول د. حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية إن الجهات التي تدعو المسلمين إلي الحج بالتقسيط أو الأضحية بالتقسيط أو كثير من العبادات المالية بالتقسيط هذا نوع من المبالغة والمغالاة والتشدد الديني في الوقت الذي يدعو فيه الإسلام إلي اليسر والسهولة والتيسير علي المسلمين فإذا بغير الفاهمين للإسلام يشددون علي المسلمين ويدعونهم للاستدانة لأداء هذه العبادات التي لم تفرض إلا علي القادرين ومن ثم يؤدون بهم إلي الاستدانة من أجل أداء عبادة غير مفروضة عليهم ذلك أنه مثلا بالنسبة للحاج يشترط لوجوب الحج الاستطاعة وهي استطاعة مالية وبدنية.. فمن لم يستطع ماليا فلا يجب عليه الحج ولذلك إذا استدان لأداء مناسك الحج فقد ألزم نفسا بما لم يلزمه به الشرع وضيق علي نفسه وأولاده وأسرته وكذلك الحال بالنسبة للأضحية. يري د.أبو طالب أن الجهات التي تدعو المسلمين إلي الأضحية بالتقسيط أو نحو ذلك تسوق لمصلحتها هي وليس لمصلحة الإسلام والمسلمين فهي تفعل ذلك لجمع أموال كثيرة من الأشخاص غير الفاهمين وذلك أن الأضحية سنة علي القادرين فكيف نكلف بها غير القادرين وندفعهم إلي التورط في الديون؟.. لاشك أن هذا نوع من المغالاة في الدين وهو أمر مرفوض. أضاف د.حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر أن الله سبحانه وتعالي يقول: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" لكن إذا كان هذا الإنسان عنده مال لن يتمكن منه في هذه الأيام وسيتمكن سنة بعد العيد فلا حرج أن يأتي بأضحية لكن إذا كان هذا الإنسان غير مستطيع فالله يقول: "بل الإنسان علي نفسه بصيره" وهذه مقدرته. أكد أنه يجب عدم المغالاة في مثل هذه الأمور فبلال كان يضحي بديك وإنما الأعمال بالنيات.. ولكن إذا كلف الإنسان نفسه من أجل الفخر أو الإسراف فإن الله لا يحب المسرفين.. أما الأضحية سنة واجبة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وحض كل قادر عليها طاعة لله ولرسوله وهي قربة لله لأنه يطعم منها اليتيم والمسكين والفقير والبائس الفقير هذا ما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم وما فعله صحابته من بعده فقد روي أن النبي عليه الصلاة والسلام أضحي بكبشين أقرنين أملحين وفي الأول قال: هذا عني وعن أهل بيتي.. والثاني قال: عن أمتي.. وبالتالي فالأضحية قربة بالدليل قول النبي صلي الله عليه وسلم لفاطمة: يا فاطمة قومي فاشهدي ذبيحتك فإنه مع أول دفقة من دمها يغفر الله لك .. وهناك أحاديث كثيرة حضت علي مثل هذا في قول النبي إنها تأتي يوم القيامة بأحشائها وأظلافها في ميزان العبد يوم القيامة. يقول د.مظهر شاهين من علماء الأوقاف: الحقيقة أنا لا أفهم إعلان تقديم الأضحية بالتقسيط إلا في إطار من العبث والتنطع وعدم الفهم الصحيح لشرع الله للأسباب الآتية أن الأضحية سنة مؤكدة علي المسلم القادر أما غير القادر فتسقط عنه.. فكيف تطالب غير القادر بأن يستدين لكي يضحي إلا إذا كنا لا نفهم شرع الله تعالي؟.. كما أن الأضحية سنة وسداد الدين واجب فكيف ننتقل من مرحلة السنة إلي مرحلة الواجب. أضاف أن الاستدانة من أجل تحقيق سنة ما هو إلا تعسير مخالف لروح الشريعة التي بنيت علي التيسير قال تعالي: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وتحميل للنفس فوق طاقتها "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".. فنحن نطالب الذي لا يملك ثمن الأضحية من الفقراء الذين شرعت من أجل إطعامهم الأضاحي بالاستدانة من أجل أن يطعموا غيرهم بدلا من أن نعطيهم منها. تقول د. آمال عبدالغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا إن الاضحية شرعت تقربا لله تعالي يوم النحر وهي من شعائر الإسلام ومشروعة بالكتاب والسنة والاجماع قال تعالي: "فصل لربك وانحر".. وقد أجمع العلماء علي مشروعيتها واختلفوا في حكمها هل هي واجبة أم سنة لكن الأصل فيها التيسير ورفع الحرج فالسعة والمرونة في الأحكام أصل من الأصول فالتقسيط للأضحية لمن لديه سعة وقدرة ماليةودخل يكفي حاجاته الضرورية والحياتية ولن تسبب ضيقا في العيش ولكنه لا يتوفر له ثمن الأضحية في زمن العيد فلا حرج. أما ما عدا ذلك من ترغيب في شراء الاضاحي بالتقسيط ويقترض أو يستدين الإنسان فيضيق علي نفسه وأهله وأسرته فلا تشرع ولا تجب عليه فكما يكره للإنسان الاقتراض للصدقة أو التضييق علي الأهل فكذلك الأضحية بالتقسيط. ولذلك يمكننا القول كما تري د. آمال بكراهية التضيق للأضحية.. أيضا من فقه الأولويات أننا نطبق التقسيط في الضروريات فلا يعمم الحكم علي إطلاق فمن كان قادرا وموسرا فليضح وإن كان غير قادر فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.