اخترقت كلماتها أذني رغما عني وهي تتحدث مع صديقتها.. سيدة بسيطة ممن ينفقن علي أسرهن من عائد العمل والخدمة في المنازل كانت تتحدث عن الغلاء وجنون الأسعار في الفترة الأخيرة وكيف أنها وأولادها "نفسهم ياكلوا محشي" لكن سعر الأرز حرمهم من تحقيق أمنيتهم بعد أن تخطي تسعة جنيهات.. بعدها بعدة أيام قرأت علي لسان ثريا الشيخ عضو البرلمان ما نصه "انا شفت أم بتضرب ابنها علشان عايز ياكل رز"!! الأرز والمحشي من الاطباق المحبوبة للغني والفقير علي السواء وللفقير خاصة حيث "حلة" من المحشي تشبع الاسرة حتي بدون لحوم معها وكانت حتي وقت قريب تكلفتها معقولة. هذه الاطباق البسيطة حولتها حكومتنا بأدائها القاسي غير المحسوب الي امنية وحلم يستعصي علي التحقيق!! لكن يبدو أنه مازال امامنا المزيد من ابداعات الحكومة في القسوة وجمود القلب علي فقراء هذا البلد حيث رفعت سعر سكر التموين الي ثمانية جنيهات وزجاجة الزيت عبوة 800 جرام الي 12 جنيها وعلبة السمن الصناعي الي 13 جنيها ونصفاً ليكون قد تم مضاعفة أسعار هذه السلع الاستراتيجية خلال ثلاثة شهور فقط.. وليصبح الدعم اسما علي غير مسمي ويفقد معناه تماما وكأن الحكومة تقول لنا بدلا من أن اشغل نفسي بالمقارنة بين الدعم العيني والنقدي سوف الغي الدعم أصلا لكن "بصنعة لطافة" كما يقول التعبير الدارج!! هذه القسوة المقصودة التي طالت الفقراء ومعهم شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة حملتهم الحكومة وحدهم فاتورة تعويم الجنيه يقابلها تدليل المسئولين لانفسهم حيث إذا جمعت الصورتان في كادر واحد لا تجد ما تقوله سوي اين المعني الرائع كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؟.. في الصورة الأولي سيدة واولادها يشتهون طبقا من المحشي وأم تضرب ابنها حتي يتوقف عن طلب الارز وفي الصورة الثانية ثلاث سيارات ثمنها يقترب من 40 مليون جنيه يجري شراؤها لرئيس مجلس النواب ووكيليه وبجوارها صورة لاعضاء الحكومة والمحافظين وفي يدهم مشروع قانون بزيادة رواتبهم لتتراوح بين 30 ألف جنيه و42 ألفا ومعاش بعد ترك المنصب نسبته 80% من هذه المرتبات بحجة مواجهة الغلاء الناتج عن تعويم الجنيه!! منذ صدور قرار تعويم الجنيه والاحداث كلها تؤكد أنه قرار تم اتخاذه دون أدني دراسة لكيفية تلافي آثاره السلبية الا بحفنة من التصريحات المملة لا تستحق الحبر المستخدم في كتابتها من عينة الرقابة علي الأسواق ومنع التلاعب في الأسعار!! ولو كانت الحكومة تقصد بالفعل تلافي آثاره الصادمة لكانت علي الأقل حافظت علي أسعار السلع التموينية داخل وخارج بطاقة التموين كما هي مهما كلفها ذلك بدلا من هذه القسوة في التعامل بلا قلب مع فئة كبيرة من المجتمع تنتظر كل شهر حصولها علي سلع أساسية كانت بأسعار معقولة لكن اصابها جنون الأسعار بسبب أداء الحكومة.. ولكانت ايضا أخذت نفسها بالقسوة ورشدت نفقاتها لتكون قدوة بدلا من التبذير المستفز. بررت الحكومة الزيادات المتتالية في أسعار الزيت بتعويم الجنيه الذي خفض قيمته الي النصف أمام الدولار الذي نستورد به 95% من احتياجاتنا من الزيوت فما ذنب المواطنين وهل هم الذين طالبوا الحكومة بتعويم الجنيه وحلفوها بالغاليين لتسرع به؟!!.. وبررت زيادة السكر بأن مزارعي القصب رفعوا أسعار التوريد وايضا ما ذنب المواطنين؟!!.. الحكومة تركت المواطنين يعانون وحملتهم ما لا يطيقون حتي اصبح طبق الارز والمحشي بالزيت والسمن الصناعي وكوب الشاي المحلي بالسكر حلماً تتحدث فيه السيدة البسيطة مع صديقتها وتضرب الأم الحنون ابنها حتي لا يطلب الأرز لان طلبه يشعرها بعجزها.. أكاد أشعر بقلب هاتين السيدتين يتقطع عجزا فبماذا تشعر الحكومة؟!!