كنت قبل عدة أشهر من الآن "الحاكم بأمره" في بيتي. أمشي واثق الخطوة ملكاً. وكانت عودتي إلي البيت. مساء كل يوم. بمثابة العيد للأولاد وأمهم حيث أحمل لهم مالذ وطاب. الآن أنا. للأمانة. مثل قط جربان. أتحاشي نظرات أهل بيتي. وآوي إلي ركن قصي يعصمني. أستيقظ مبكراً وأمشي علي أطراف أصابعي حتي لاأوقظ أحداً يقبض علي ويتنمر لي ساعة صبحية ويقول: هات. أعود إلي البيت عندما لايكون هناك مفر من العودة. الوقت تجاوز منتصف الليل. الدنيا برد. المقاهي أغلقت. لاأصدقاء أو أقارب يمكنهم التضحية بما تبقي لديهم من سعادة أسرية لاستضافتي. ثم أنه لاشئ لديهم يمكنهم أن "يضيفوني" به. فأضطر آسفاً إلي العودة واللي يحصل يحصل. وبدلاً من أن يسرع أولادي وأمهم إلي فتح الباب بمجرد الشعور بخطواتي علي السلم. كما كان يحدث من قبل. أظل ضاغطاً علي الجرس ورازعاً علي الباب حتي يحن قلب أحدهم بعد نصف ساعة .تكون المنطقة كلها قد استيقظت من نومها علي الخبط والرزع.و يفتح الباب ناظراً إلي من فوق لتحت ولسان حاله يقول: إيه إللي رجعك ياقط؟ الذي يصبرني علي بلواي أنني ماسألت صديقاً عن أحواله مع أهل بيته في ظل الغلاء الفاحش والداعر الذي نعيشه إلا واكتشفت أنه مثلي وربما أكثر. وقلت: "ياعزيزي كلنا قطط جربانة". صديق لي يعمل بالصحافة أقسم أنه لو وجد فرصة عمل في سوبر ماركت لتوصيل الطلبات لقبلها علي الفورحتي يستطيع تلبية مطالب أسرته العادية والبسيطة. وآخر أخذها "من قصيره" وترك لهم الجمل بماحمل وهرب. وثالث. يعمل مهندساً. طلب من "أوبر" أن يعمل معهم فرفضوا لأن سيارته "مش قد المقام". ورابع أبدي استعداده للتجارة في المخدرات إذا أتيح له ذلك. وقلت له لاتنسني وحياة والدك. وخامس قرر العمل علي عربة كبدة. وإن كانت مشكلته أنه لايستطيع تدبير ثمن شراء العربة ويفكر في إرسال استغاثة إلي باب "مع تحياتي للمساء" الذي يساعد الفقراء والمحتاجين. ليس لي في التهريج. أو علي الأقل لا أستطيع التهريج في هذا الظرف الإجرامي الذي نعيشه. وأقسم لك أن ماذكرته حدث بالفعل. وربما أدرجته "الأهرام" سنة 3000 في بابها الشهير "صدق أو لاتصدق". وإذا كنت أحكي لك عن طبقة المفروض أنها متوسطة ومستورة . فما بالك بالطبقات الأدني أو الأقل دخلاً. وكيف تتصور حالتهم الآن؟ الأمر خطير فعلاً ولاهزل فيه. ودعك من الأنجاس والقوادين والفاسدين من الإعلاميين الذين يطالبون الناس بالتحمل. أعرفهم جميعاً وعملت مع بعضهم. وأقل واحد فيهم لايقل دخله -من البزنسة والعمولات والقوادة وليس من العمل أو الاغتراب عدة سنوات - عن مليون جنيه شهرياً. ويقيم أغلبهم في قصور وفيللات. ولديهم بدل السيارة أربع. وبدل الخادمة سبع. فهم رابحون مع كل نظام وفي أي ظرف. فلاتشغل بالك بهم ولاتصدقهم. هم يتاجرون بك لإرضاء سادتهم وحتي تستمر السبوبة. ولو استطاعوا بيع الشعب "كعبيد وجواري" لفعلوها دون أن يطرف لهم جفن .لأنهم قتلة محترفون. الحاصل أن غالبية الشعب تئن تحت وطأة الظرف. فوق القاسي بكثير.الذي نعيشه الآن. ولاشئ في الأفق يلوح أمامهم سوي المزيد من الضغوط والتنكيل والإذلال. والحاصل أن المتحكمين في أمورنا ومن يتبعهم ويدلس علينا من أجل راحتهم . يعيشون في رغد من العيش ولايشعرون بما نشعر به من آلام فادحة. ولايشغلهم أن يجوع الناس أو يضيع مستقبل أولادهم. أوأن تنتشر حوادث النهب والسرقة والخطف. وتنتشرالرشاوي والفساد في كل قطاعات الدولة. و يتوحش التجار ورجال الأعمال الذين يدركون أن من لم يكسب منهم الآن لن يكسب مرة أخري. وأن يتحول الإعلام إلي قوادة. كل ذلك لايهم ماداموا يعيشون في قصورهم ومنتجعاتهم آمنين مطمئين. لكنه أمن هش واطمئنان كاذب. فالناس لم يعد أمامهم سوي الانفجار أو الموت.. فاحذروا غضبتهم المرعبة.