يوم الخميس الماضي أنجزت إسرائيل واحدا من أكبر أهدافها المخابراتية.. وهو اغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري الذي ساعد حركة حماس الفلسطينية في تطوير صناعة الطائرات دون طيار من طراز "أبابيل" التي استخدمتها في السنوات الأخيرة.. وكانت تتباهي بها.. بينما كانت إسرائيل تشكو من خطورتها علي أمنها.. بل تخشي من تطويرها لتتحول إلي طراز أكثر خطورة.. بحيث يمكن تزويدها بالمتفجرات واستهداف المواقع العسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية المحيطة بغزة. لم تعلن إسرائيل رسميا حتي الآن مسئوليتها عن اغتيال الزواري.. ولم تعلن سلطات التحقيق في تونس حتي الآن عن الجهة المتورطة في الجريمة.. التي وصفتها بأنها "جهة مجهولة".. لكن البيان الذي أصدرته كتائب عز الدين القسام - الذراع العسكرية لحركة حماس - والذي كشفت فيه عن دور الزواري في مساعدتها فنيا وعسكريا لتطوير الطائرة دون طيار "أبابيل" هو الذي جعل الجهة المجهولة "معلومة".. وأشارت بأصابع الاتهام مباشرة إلي الموساد الإسرائيلي. وقد اعترفت وسائل الإعلام الإسرائيلية "ضمنيا" بوقوف الموساد وراء اغتيال الزواري في مدينته "صفاقس" جنوبتونس.. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن مهندس الطيران التونسي محمد الزواري "49 سنة" كان يساعد حركة حماس وحزب الله اللبناني في تطوير طائرات دون طيار لاستخدامها في الحرب ضد إسرائيل.. وأنه تنقل بين لبنان وسوريا وتسلل إلي قطاع غزة 3 مرات علي الأقل عن طريق أنفاق في سيناء لتدريب عناصر حماس علي استخدام الطائرات ضد أهداف إسرائيلية.. وقد تم اغتياله ب 6 رصاصات في عنقه.. واستخدم القتلة في العملية كاتما للصوت. ليس جديدا علينا استهداف الموساد الإسرائيلي لعلمائنا الأفذاذ واغتيالهم أينما كانوا.. فالحرب مع إسرائيل ليست أمس أو اليوم فحسب.. وليست بالسلاح والطائرات والدبابات فقط.. لكنها في الواقع حرب وجود.. حرب استراتيجية ممتدة.. أمس واليوم وغدا.. ولن تنتهي باتفاقات ومعاهدات.. وهي حرب عقول وعلوم.. ولذلك حرصت إسرائيل علي اغتيال عقولنا المتميزة.. فقد قتلوا من قبل العالم الفذ الدكتور يحيي المشد مؤسس المفاعل النووي العراقي.. والدكتورة سميرة موسي والدكتور مصطفي مشرفة.. وعالم الذرة د. سمير نجيب والدكتور سعيد السيد بدير المتخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي وتكنولوجيا هندسة الصواريخ. كما نجح الموساد في اغتيال أربعة من العلماء النوويين الإيرانيين خلال عامي 2010 و2012.. حيث تم قتل ثلاثة منهم بالقنابل المغناطيسية أما الرابع والأخير - مصطفي أحمدي روشن - فقد تم اطلاق النار عليه أمام منزله في العاصمة طهران. وفي كل هذه الجرائم لم يكن الموساد وحده المتورط... وإنما كان هناك دائما تآمر وتأزر غربي - خاصة أمريكي - مع عملاء الموساد.. وكانت أجهزة المخابرات الأوروبية والأمريكية تنفذ بعض العمليات لحساب الموساد.. وتدخل المناطق التي يستعصي عليه دخولها. وقد جاءت جريمة اغتيال المهندس الزواري لتذكرنا بجريمة اغتيال المناضل الفلسطيني أبوجهاد أيضا في تونس منذ 28 عاما.. وكان الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية بعد ياسر عرفات.. وله نشاطه البارز جدا في المقاومة وهندسة الانتفاضات الفلسطينية. هل الأمر هناك يتعلق بخيانة فلسطينية أو تونسية؟! قال مصدر قضائي تونسي إن التحقيقات في اغتيال الزواري تشير إلي تورط بلجيكي من أصل مغربي.. وأعلنت وزارة الداخلية التونسية أن وحدات الأمن الوطني بصفافس تمكنت من القبض علي 5 أشخاص يشتبه في تورطهم في الجريمة. وتم حجز 4 سيارات ومسدسين وكاتمي صوت بالإضافة إلي هواتف جوالة والعديد من الأغراض الأخري ذات الصلة بالجريمة. وبعد 5 ساعات فقط من وقوع الجريمة أعلن المدير العام للأمن الوطني عبدالرحمن الحاج استقالته من منصبه.. وكانت هذه الاستقالة خاتمة الفصل الأول لقصة اغتيال الزواري.