عندما أعلنت وزارة الاسكان منذ أكثر من عام عن أسعار شقق الاسكان الاجتماعي تبين أنها غير واقعية.. ولا تتناسب مع الجمهور المستهدف من المشروع.. وكان هذا تفسيرا كافيا لعدم إقبال المواطنين - خاصة الشباب - علي هذه الشقق.. لكن التحقيق الصحفي الذي نشرته الشقيقة ¢الجمهورية¢ يوم السبت الماضي تحت عنوان ¢الاسكان الاجتماعي للقادرين فقط¢!! أضاف معلومات وأعطي أبعادا أخري للأزمة.. أتمني أن يطلع عليها القائمون علي المشروع والراغبون في نجاحه.. حتي لا يظل البون شاسعا بين التصريحات الوردية والواقع الأليم. جميل أن يكون عنوان المشروع ¢الاسكان الاجتماعي¢.. وجميل أكثر أن يكون شعار المشروع ¢شقة لكل مواطن¢.. لكن يظل الأجمل من العنوان ومن الشعار أن يحقق المشروع هدفه.. ويساهم في توفير مسكن ملائم للشباب البادئين حياتهم العملية.. ومسكن ملائم للشريحة الواسعة من محدودي الدخل الذين مازالوا يحلمون بترك ميراث السنين التعيسة في المقابر والعشوائيات والمناطق المكدسة. ما نشرته ¢الجمهورية¢ يؤكد - للأسف - أن الحلم مازال بعيد المنال.. وأن المستهدفين لن يحصلوا علي شقق الاسكان الاجتماعي.. وإنما سيحصل عليها بالتحايل القادرون الذين يشترون كل شيء ويتركونه للتسقيع حتي يأتي سوقه.. وهي تجارة رائجة ورابحة تزيد الغني غني كما تزيد الفقير فقرا. ¢الجمهورية¢ قالت في التحقيق الذي قام به الزميل محمد السيد إن الشباب الذين تطلعوا إلي الحصول علي مسكن في المشروع فوجئوا بالأسعار مرتفعة للغاية.. وزيادة علي ذلك اصطدموا بشروط وإجراءات البنوك الممولة للاسكان الاجتماعي من مقدمات خرافية وأقساط شهرية مرتفعة لتصبح الشقة التي أعلنت الوزارة أن سعرها 150 ألف جنيه قد بلغت 250 ألف جنيه. ونقلت ¢الجمهورية¢ عن بعض هؤلاء الشباب قولهم إن البنوك تشترط دفع مقدمات مبالغ فيها تصل إلي 65 ألف جنيه لاصحاب الكراسات الحمراء و40 ألف جنيه لاصحاب الكراسات الزرقاء.. إضافة إلي 25 ألف جنيه مقدم جدية الحجز.. وبالاستفسار عن أسباب الزيادة المبالغ فيها بأسعار الشقق يكون الرد إن ذلك بسبب ارتفاع تكاليف البناء والتشطيب رغم انه تم الانتهاء من هذه الشقق قبل زيادة الأسعار. وجميع البنوك التي تمول الاسكان الاجتماعي ويتم تحويل المقبولين عليها تفرض إجراءات صعبة ومحبطة ومعقدة للغاية.. حيث ترفض قبول غير المؤمن عليهم دون مراعاة لظروفهم ومدي احتياجهم لشقة سكنية.. وإذا كان المتقدم أعمال حرة ومؤمنا عليه فلابد له من احضار موظف حكومي ليضمنه لدي البنك.. ثم يقوم الضامن باحضار خطاب من جهة عمله بالموافقة علي تحويل راتبه لصالح البنك.. لذا يقوم كثير من الشباب بسحب مقدمات الحجز وعدم الاستمرار في المشروع بسبب هذه الشروط المجحفة التي لا تراعي محدود الدخل. ولمزيد من الظلم والضغط يطالب البنك الشباب بالتوقيع علي شيكات بقيمة قرض التمويل العقاري كضمان للأقساط الشهرية.. ويصر علي عمل توكيل عام لصالحه - أي لصالح البنك - لبيع الشقة والتصرف فيها في أي وقت في حالة عدم الانتظام في سداد الاقساط.. ويفرض حظرا علي بيع الشقة لحين سداد الاقساط كاملة بعد 20 سنة رغم أن حظر البيع الذي حددته وزارة الاسكان في كراسة الشروط ليس أكثر من 7 سنوات فقط.. ويمكن لصاحبها التصرف فيها بعد ذلك بالبيع. يضاف إلي ذلك العبث أن وزارة الاسكان حددت مساحة الشقة في اعلانها ب 90 مترا عبارة عن 3 غرف وصالة ويتم تسليمها مشطبة بالكامل.. إلا أن المساحة الفعلية لا تزيد علي 77 مترا. لكل هذه الأسباب مازلنا في حاجة إلي مشروع حقيقي للاسكان الاجتماعي.. مشروع واقعي يراعي ظروف الناس ويساعدهم ولا يتاجر بأحلامهم.