أسئلة كثيرة ومتعددة وردت إلي "المساء الديني". يسأل أصحابها عما يفيدهم في أمور دينهم ودنياهم. بعض هذه الأسئلة عرضناها علي فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية فأجاب بالآتي: * يسأل كريم محمد: هل يجوز دفع الزكاة لمتضرري السيول وإصلاح ما أفسدته الأمطار؟ ** حدد القرآن الكريم الجهات التي تصرف إليها الزكاة في قوله تعالي: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمى حَكِيم".. ودفع الزكاة لإصلاح شبكات الصرف الصحي لتصريف مياه الأمطار. جائز شرعًا. تقليدًا لمن وسّع من مفهوم مصرف في سبيل الله. وجعله شاملًا لكل المصالح العمومية للمسلمين.. وبما أن الفقراء من جملة مصارف الزكاة كما ذكرته الآية الكريمة. فالمسلمون المنكوبون بفقد منازلهم في أحداث السيول الأخيرة -بحيث إنهم ليس لهم مال ولا كسب ولا قدرة علي كسب يؤمن لهم السكن اللائق بهم- يعدون من جملة الفقراء المستحقين للزكاة. لأن الفقير هو الذي لا مال له ولا كسب يقع موقعا من كفايته. مطعمًا وملبسًا ومسكنًا وغيرهما مما لا بد له منه علي ما يليق به. * يسأل علي عبدالكريم: اختلف المصلون في مسجدنا حول القنوت في الفجر. فما الحكم فيه ؟ ** القنوت في صلاة الفجر سنة نبوية ماضية قال بها أكثر السلف الصالح من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم مِن علماء الأمصار. وجاء فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم قَنَتَ شَهرًا يَدعُو عليهم ثُم تَرَكَه. وأمّا في الصُّبحِ فلم يَزَل يَقنُتُ حتي فارَقَ الدُّنيا". وهو حديث صحيح. ويري بعض التابعين أن القنوت يستحب في الفجر مطلقًا. وحملوا ما رُوي في نسخ القنوت أو النهي عنه علي أن المتروك منه هو الدعاء علي أقوام بأعيانهم. لا مطلق القنوت. والفريق الآخر من العلماء يري أن القنوت في صلاة الفجر إنما يكون في النوازل التي تقع بالمسلمين. فإذا لم تكن هناك نازلة تستدعي القنوت فإنه لا يكون حينئذي مشروعًا. وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.. فالحاصل أن العلماء إنما اختلفوا في مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل. أما في النوازل فقد اتفقوا علي مشروعية القنوت واستحبابه في صلاة الفجر واختلفوا في غيرها من الصلوات المكتوبة. وعليه فإن الاعتراض علي قنوت صلاة الفجر بحجة أنه غير صحيح اعتراض غير صحيح. بالنظر إلي ما تعيشه الأمة الإسلامية من النوازل والنكبات والأوبئة وتداعي الأمم عليها من كل جانب وما يستوجبه ذلك من كثرة الدعاء والتضرع إلي الله تعالي عسي الله أن يرفع أيديَ الأمم عنا ويَرُدّ علينا أرضنا وأن يُقِرَّ عين نبيه المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم بنصر أمته ورد مقدساتها. إنه قريب مجيب. * يسأل إبراهيم مرسي محمد: ما حكم صلاة النساء بالمسجد مع وجود ازدحام وربما أدي إلي الإختلاط بين الرجال والنساء وخاصة عند الوضوء وأثناء المرور إلي الحمامات نظراً لضيق الطرقة ؟ ** قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرى لَهُنَّ " فصلاة المرأة في بيتها أفضل وخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن كأمواج البحر. وصلاتها في المسجد لا تجوز إلا في الظروف الضيقة كالمسافرة التي أدركها وقت الصلاة ولا مكان لها إلا المسجد. وفي واقعة السؤال: إذا كانت صلاة المرأة في المسجد تؤدي إلي مفسدة من اختلاط بالرجال أثناء الدخول والخروج وعند الحمامات ومكان الوضوء كما ورد بالسؤال فإنه لا يجوز للمرأة الدخول إلي هذا المكان للصلاة فيه سدا للذرائع وعملا بقاعدة: لا ضرر ولا ضرار. * هل يجوز أن يتبرع غير المسلمين لكفالة أطفال المسلمين وبناء المساجد وإقامة المشاريع الخيرية كالمستشفيات ومعاهد التعليم وغير ذلك من أبواب التكافل الاجتماعي ؟ ** الأصل في التعايش بين المسلمين وغيرهم وهذا يشمل جميع أنواع العلاقات الإنسانية من التكافل والتعاون أخذًا وإعطاءً علي مستوي الفرد والجماعة. وقد جاءت السنة النبوية المطهرة بقبول هدايا غير المسلمين. فعن علي رضي الله عنه قال:"أَهْدَي كِسْرَي لَرَسُولِ اللَّهِ -صلي الله عليه وآله وسلم- فَقَبِلَ مِنْهُ. وَأَهْدَي لَهُ قَيْصَرُ فَقَبِلَ مِنْهُ. وَأَهْدَتْ لَهُ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهُمْ".. ولا فرق في قبول تبرع غير المسلمين أن يكون تبرعهم في مصالح الدنيا أو الدين. وبذلك أخذ جمهور العلماء حين أجازوا الوقف من غير المسلم علي منافع المسلمين الدينية والدنيوية. نظرًا إلي اشتراط كون الوقف قربة في ذاته بقطع النظر عن اعتقاد الواقف. خلافًا للمالكية في تصحيحهم وقف غير المسلم علي المنافع الدنيوية فقط . وبناء علي ذلك: فلا مانع شرعًا من قبول تبرعات غير المسلمين في مصالح المسلمين العامة دينية كانت أم دنيوية. * يسأل حمدي المزروعي: ما حكم رفع الأجهزة الطبية عن المريض الميئوس من شفائه. وما الفرق بين ذلك و"القتل الرحيم" ؟ ** يجوز شرعًا رفع الأجهزة الطبية عن المريض الميئوس من شفائه. التي تُستخدم في الإبقاء علي حياته دون تقدم في حالته الصحية. وهو ما يُسمَّي "الموت الإكلينيكي" فقط إذا نصح الأطباء بذلك. أما إذا كانت الأجهزة لغرض آخر كالمساعدة علي سحب السوائل لتيسير التنفس أو نحو ذلك فلا يجوز رفعها. وهذا يختلف عما يُسمَّي "بالقتل الرحيم" الذي يطلب فيه المريض من الطبيب إنهاء حياته أو يقرر الطبيب ذلك من تلقاء نفسه بسبب إعاقة المريض أو شدة الألم عليه. فإن هذا حرام قطعًا. لأن حياة المريض هنا مستمرة وغير متوقفة علي الأجهزة الطبية. غير أن المريض أو الطبيب يريد التخلص منها بسبب شدة الألم الواقعة علي المريض. فإنهاء الحياة في هذه الحالة يُعد إقدامًا علي إزهاق الروح وقتلاً للنفس التي حرم الله قتلها. * يسأل السيد محمد علي: ما حكم شهادات استثمار البنوك التي تحدد بمدة عشر سنوات وثلاث سنوات. ودفاتر التوفير ؟ ** اختلف الفقهاء منذ ظهور البنوك ودفاتر التوفير في العصر الحديث في تصوير شأنها طبقًا لاختلاف أهل القانون والاقتصاد في ذلك التصوير فيما إذا كانت العلاقة بين العملاء والبنك هي علاقة القرض كما ذهب إليه القانونيون أو هي علاقة الاستثمار كما ذهب إليه الاقتصاديون. والاختلاف في التصوير ينبني عليه اختلاف في تكييف الواقعة. فالحاصل أن الخلاف قد وقع في تصوير مسألة التعامل في البنوك ومع البنوك وفي تكييفها وفي الحكم عليها وفي الإفتاء بشأنها. ومن القواعد المقررة شرعًا أنه إنما يُنكَر المتفق عليه ولا يُنكَر المختلف فيه.. وأن الخروج مِن الخلاف مستحب وأن مَن ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد مَن أجاز. وبناء علي ما سبق: فإنه يجب علي كل مسلم أن يدرك أن الربا قد حرمه الله سبحانه وتعالي وأنه متفق علي حرمته. ويجب عليه أن يدرك أن أعمال البنوك اختلف في تصويرها وتكييفها والحكم عليها والإفتاء بشأنها. وأن يدرك أن الخروج من الخلاف مستحب. ومع ذلك فله أن يقلد من أجاز ولا حرمة عليه حينئذ في التعامل مع البنك بجميع صوره أخذًا وإعطاءً وعملاً وتعاملاً ونحوها. * يسأل عماد الدين مصطفي: ما حكم كتابة أسماء الله الحسني وأسماء النبي وآيات من القرآن علي معلقات من السجاد مع العلم أنه في أثناء صناعتها بالمصانع يضطر العامل أحيانًا إلي الوقوف عليها ؟. ** يجوز كتابة أسماء الله وأسماء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والآيات القرآنية علي المعلقات مادام في ذلك تعظيم لشأنها ورفعة لمقامها بحيث توضع في الأماكن الطاهرة بطريقة تتناسب مع علو شأنها.. وما يحدث في أثناء التصنيع والنقل والتجارة والتخزين من التعامل معها ينبغي أن ينضبط بعموم قوله تعالي: "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا".. ولا ينبغي التوقف عن تلك الصناعة والتجارة ونحوهما لما قد يحدث من اضطرار من المتعاملين معها علي وجه غير لائق. حيث إن ذلك إنما يصدر منهم عن غير قصد الإهانة لمقتضيات العمل والتعامل مع هذه الأشياء.