تحت عنوان "ثورة في البرلمان" نشرت الصحف تفاصيل الجلسة الصاخبة لمجلس النواب يوم الاثنين الماضي بسبب ما اعتبره النواب "فشل الحكومة في مواجهة الأزمات المتكررة التي يعاني منها المواطنون".. ودعا جانب كبير من الأعضاء إلي سحب الثقة من الحكومة.. بينما دعا آخرون الحكومة إلي تقديم استقالتها علي خلفية عجز النقد الأجنبي وانفلات الأسعار واختفاء السكر وعدم تقديم حلول للأزمة الاقتصادية وتوقف المشروعات.. وأخيراً فشلها في مواجهة السيول. شارك في هذه الثورة مؤيدون ومعارضون.. بل إن صوت المؤيدين كان الأعلي.. فقد قال محمد السويدي رئيس ائتلاف "دعم مصر" إنه لن يسامح نفسه لأنه وافق علي منح الثقة للحكومة في دور الانعقاد الماضي.. وقال رئيس المجموعة البرلمانية ل "المصريين الأحرار" إن الحكومة ماتت إكلينيكياً. كان هناك إجماع علي أن الحكومة فاشلة.. قال بعض النواب إن الشعب لم ير منها إلا الكوارث والسيول.. وبصراحة الشعب "كفر" من ارتفاع الأسعار.. وقال آخرون لا توجد رؤية واضحة لمعالجة ما يحدث في الشارع.. وأداء الحكومة لم يعد مواكباً لمتطلبات السوق. وجلجل صوت الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس: البرلمان صاحب السلطة المطلقة.. ويملك الحق في اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات.. والحكومة لن تنتصر علي المجلس.. ومن السهل جداً سحب الثقة من الحكومة ولكن الأفضل إجبارها علي تغيير سياساتها.. نحن في حفرة واحدة.. وعملية سحب الثقة من الحكومة نحن نملكها.. والاستجوابات نملكها.. ويجب أن توصل رسالة إلي الرأي العام بأن المجلس يدافع عن قضاياه ومشاكله.. نحن أصحاب القرار دائماً.. والمجلس لن يتسامح مع الحكومة إذا حادت عن الطريق المرسوم. بعد كل هذا الشحن والتسخين.. ماذا كان ينتظر الناس من مجلس النواب؟! الطبيعي أن يسير المجلس في أحد طريقين: إما سحب الثقة من الحكومة كما قال النواب.. أو إجبار الحكومة علي تغيير سياساتها كما فضَّل رئيس مجلس النواب. وإذا كان سحب الثقة من الحكومة إجراء واضحاً بذاته ومفهومها فإن إجبار الحكومة علي تغيير سياساتها كان يعني رسم سياسة أخري مغايرة وإجبار الحكومة علي اتباعها.. وكان يجب علي السيد رئيس المجلس أن يعلن بشجاعة ما هي السياسة المغايرة التي يجب إجبار الحكومة علي التحول إليها. لكن لا شيء من هذا حدث.. لا تم سحب الثقة من الحكومة ولا تم إجبارها علي تغيير سياساتها.. فما أن جاء رئيس الحكومة إلي قاعة المجلس بعد أن كان قد تأخر لحوالي ساعة وألقي بيانه حتي أعلن رئيس المجلس تضامنه مع الحكومة ودعم قراراتها الصعبة للخروج من الوضع الراهن. هل قال رئيس الحكومة شيئاً مفاجئاً وجديداً أطفأ به ثورة مجلس النواب وأقنع رئيس المجلس بما لم يكن مقتنعاً به؟! لا أظن.. فالرجل لم يضف شيئاً إلي ما نعرفه جميعاً بأن مصر تمر بظروف صعبة نتيجة تراكمات سنوات طويلة.. وأن الحكومة تنسق مع البنك المركزي لحل أزمة الدولار. حسناً.. إذا كان الأمر كذلك.. فلماذا كانت ثورة البرلمان.. ولماذا كان التصعيد والشحن والتسخين والتهديد والوعيد.. لماذا كان الاستقواء وادعاء البطولة؟! يقيني أن مجلس النواب خسر كثيراً في هذه المواجهة القصيرة.. ليس لأنه لم يسحب الثقة من الحكومة.. وإنما لأنه علا بهجومه علي الحكومة ثم انتهي إلي لا شيء.. وقدم صورة سلبية لأدائه ورسالته وقدرته.. وظهر بمظهر في غاية التناقض.. يسيئ إليه أمام شعبه. رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.