أعلنت وزارة الاستثمار الانتهاء من مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي يتضمن تخفيضات بالضرائب وأسعار الطاقة وأراضي بالمجان واعفاء من الضرائب في المناطق التنموية.. وأكدت الوزارة أنها ستطرح المشروع للحوار المجتمعي قبل عرضه رسمياً علي مجلس الوزراء ثم النواب.. في نفس الوقت كثر الكلام حول "تعويم الجنيه" هل هو في صالح الاقتصاد المصري أم لا.. وما هي تبعات هذا التعويم علي المواطن.. وخلال الأيام القليلة الماضية انعقد مؤتمر شباب مصر بشرم الشيخ بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي. كل هذه القضايا وغيرها نناقشها مع المفكر السياسي والاقتصادي د.محسن شلبي صاحب الخبرات الناجحة في شتي مستويات الإدارة منها التخطيط والتنفيذ والصناعات الحديثة والتسويق المحلي والدولي ومنها تأسيس أعمال ناجحة في 22 دولة بالشرق الأوسط وأوروبا حيث شغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة لإحدي كبريات الشركات العالمية متعددة الجنسيات. فإلي نص الحوار: * ما رأيكم في مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي يتضمن اعفاء من الضرائب ومنح مشروعات الاستثمار الداخلي بالمناطق التنموية الأرض بالمجان وتخفيض 5% في أسعار الطاقة وتحميل الدولة نسبة صاحب العمل في التأمينات علي العمالة لمدة 10 سنوات وغيرها من المميزات.. هل هذا المشروع كفيل بجذب الاستثمارات وحل أزمتنا الاقتصادية؟! ** للأسف نحن لا نتعلم من تجارب الماضي.. لقد قمنا بهذه التجربة مع بداية الانفتاح الاقتصادي وقدمنا نفس المميزات من اعفاء ضريبي لمدة عشر سنوات وخلافه فماذا كانت النتيجة.. معظم الشركات والمستثمرين الذين قاموا بإنشاء شركات ومصانع تحت هذا القانون استفادوا من فترة الاعفاء الضريبي وبعدها قاموا اما بتغيير النشاط أو تغيير اسم الشركات.. لذا فإن مثل هذا القانون قد يؤدي إلي انتعاشة مؤقتة علي الرغم من أنني أراه يقدم اغراءات أكثر من اللازمة واعادة انتاج التجربة فاشلة ومع العلم أيضاً بأن العالم توقف منذ سنوات طويلة عن سياسة المزايا الضريبية والاستثناءات.. والسائد حالياً هو تقديم حوافز غير ضريبية وتخفيف العبء الضريبي عن مشروعات بعينها كالمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وليس الاعفاء ومصر تتمتع بالفعل بمزايا واقعية عديدة منها الموقع الجغرافي المتميز وأهميتها لكي تكون مركزاً لوجيستياً عالمياً بالإضافة الي السوق الكبير ووفرة العمالة.. ولكنه مع احترامي لكل ذلك فإن حل مشاكلنا يبدأ من نقطتين رئيسيتين هما السياسة النقدية.. والاصلاح النفسي؟! * كيف يتم إصلاح السياسة النقدية؟! ** أولاً لابد أن تكون لدينا سياسة نقدية واضحة فالاقتصاد المصري والاستثمار في مصر لن يتقدم خطوة واحدة بدون سياسة نقدية واضحة.. المستثمر يريد قبل أن يحضر إلي مصر أن يعرف ماهو سعر "الدولار" الحقيقي الذي سيتعامل به هل هو 8.80 جنيه كما هو معلن في البنك المركزي أم حوالي 16 جنيهاً كما هو الواقع في السوق.. هنا مربط الفرس.. وهل سيجد هذا الدولار ويستطيع تحويله للخارج من حصيلة أرباحه أم لا.. المستثمر لا يهمه سعر العملة بقدر بحثه عن السعر الواقعي والمناخ المناسب لذا فإن علي الحكومة والبنك المركزي الاسراع بتعويم الجنيه بدلاً من تأجيل اتخاذ هذه الخطوة التي ستتم آجلاً أو عاجلاً لأن التباطؤ في اتخاذ مثل هذه الخطوة يضر بالأجيال الحالية والمستقبلية وسيعاني الجميع غنياً وفقيراً. * عفواً ولكن هناك مخاوف عديدة من تعويم الجنيه وأثر ذلك سلبياً علي المواطن؟! ** للأسف البعض يصور القضية للناس علي أنها شر مطلق وهذا غير صحيح فتعويم الجنيه إذا تم من خلال ضوابط معينة سيكون له العديد من الآثار الايجابية أولها تقليل الواردات بشكل كبير جداً لأن تكلفتها ستكون مرتفعة وبالتالي سيكون أمامنا فرصة للحد من الاستيراد دون الاصطدام بالاتفاقيات والقوانين الدولية الموقع عليها من مصر وفي نفس الوقت ترشيد الاستهلاك. علي الجانب الآخر فإن تخفيض سعر الجنيه سيجعل منتجاتنا أرخص ونستطيع زيادة الصادرات بشكل كبير لأن السلع لدينا ستكون من أرخص السلع وسيكون سعرها منافساً في الخارج ولكن بشرط تحسين الصناعة وتجويدها ويمكن ساعتها أن نزيد صادراتنا بأكثر من خمسة أضعاف ما نصدره اليوم.. بالإضافة الي أن تعويم الجنيه سيؤدي الي جذب الاستثمارات العربية والأجنبية بدون أي اعفاءات ضريبية وخلافه لأن المستثمر ساعتها سيجد أن من الأفضل له أن يستثمر في مصر حيث العمالة الأرخص ومستلزمات الانتاج الرخيصة من خلال ما لديه من أموال بالعملة الصعبة وبالتالي تزيد أرباحه. * ولكن ستكون هناك موجة من ارتفاع الأسعار نتيجة اعتمادنا علي الاستيراد لتلبية معظم احتياجاتنا وسترتفع الأسعار أكثر وأكثر وسيعاني المواطن؟! ** هنا يأتي دور الدولة والضوابط التي أتحدث عنها فالدولة مسئولة عن توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الاستراتيجية الأساسية مثل القمح والأدوية والزيوت التي تعتمد فيها علي الاستيراد وبنسب تتفاوت ما بين 70 و 90% أما السلع التي يوجد لها بديل محلي فالدولة غير ملزمة بتوفير العملة الصعبة لاستيرادها مثل الموبايلات والأجهزة الكهربائية والياميش وطعام الكلاب والحيوانات بالإضافة الي أهمية إعادة النظر في منظومة "الدعم" التي يستفيد منها المحتكرون والحيتان وأن نلجأ الي الدعم النقدي بدلاً من العيني ولكن بعد تنقية المنظومة فهل يعقل أن يوجد لدينا 80 مليون بطاقة تموين.. أكاد أجزم بأن عدد المستحقين لا يزيد علي 40 مليون في اسوأ الأحوال.. والباقي يستفيد منها المافيا والمستغلون والمحتكرون.. لذا علي الدولة البحث عن حلول خارج الصندوق لكي تضمن وصول الدعم لمستحقيه وليس لجيوب المتلاعبين وللعلم لا سبيل أمامنا إلا اتخاذ هذه الخطوات الصعبة.. لان بدونها سيطول الأمر الطبقة الوسطي والغنية وستتفاهم المشكلة ولن نستطيع الخروج من الأزمة إلا بالشق الثاني وهو الاصلاح النفسي! * هذا تعبير جديد.. ما هو الاصلاح النفسي؟! ** الاصلاح النفسي أراه أهم بكثير من الاصلاح الاقتصادي ولن تتقدم البلاد بدونه.. والاصلاح النفسي الذي أقصده هو ضرورة اعادة ثقافة ألا يفكر كل إنسان في مصلحته أولاً.. يجب أن يكون التفكير في مصلحة البلد أولاً.. يجب علينا تغيير بعض عاداتنا السيئة وأن نتفهم سياسة ترشيد الانفاق وأن نتوقف عن اساءة استخدام التكنولوجيا.. سأضرب لك مثلاً بسيطاً هل يعقل ونحن نعاني من أزمة اقتصادية خانقة ويشكو المواطن من ارتفاع سعر السكر أو الأرز وخلافه إننا ننفق المليارات سنوياً علي مكالمات التليفون المحمول.. بل إنك تجد أقل شخص مع احترامي للجميع لديه أكثر من خط تليفون محمول وفي ماذا يستخدمه؟!.. في الكلام الفاضي.. نحن البلد الوحيد الذي يتصل فيه الشاب بزميله أو الرجل بزوجته أو صديق بصديقه لكي يقول له "أنا تحت انزلي".. أضف الي هذا كم الاستهلاك في المسابقات التافهة التي تنظمها الفضائيات ويشترك فيها الملايين برسالة تتراوح قيمتها ما بين ثلاثة و خمسة جنيهات وكلها مسابقات تافهة تستهدف ابتراز الشعب وتبيع الوهم للملايين.. وتجد المواطن يشترك فيها بأكثر من رسالة ويشكو من ارتفاع في سعر السكر جنيهين أو ثلاثة.. هل تعم أنه لو وفر كل مواطن 5 جنيهات من استخدام التليفون المحمول ستوفر 500 مليون جنيه يومياً مع العلم بأن هذه المسابقات لا تقدم أي قيمة ثقافية أو فكرية.. هذا بند واحد بهذا المحمول.. قس علي هذا أشياء وعادات أخري سيئة كثيرة منها الاستغلال والمضاربة وتخزين السلع.. هل تعلم أن هناك إناساً يشترون الدولار بأي سعر ليس بهدف الاستيراد أو التصنيع أو التصدير بل كل هدفهم المضاربة وتحقيق الأرباح علي حساب الوطن والاقتصاد.. قس علي هذا السكر والأرز والسجائر وخلافه.. في اعتقادي أن الاصلاح يجب أن ينبع من داخل كل مواطن وكل واحد فينا.. إذا لم يكن الشعب لديه احساس بالحفاظ علي البلد فلن يفلت من الأزمة غني أو فقير.. ماذا يضيرنا لو امتنعنا شهراً عن أكل اللحوم.. هل يعلم الناس أن هناك في العالم 900 مليون شخص نباتيون لا يأكلون اللحوم أو الأسماك.. أي حكومة أو رئيس بدون تعاون الشعب لن يستطيعا أن يفعلا شيئاً مع التأكيد علي أنه إذا تحمل الشعب عامين فقط فإننا سنكون من أغني دول العالم وستزيد صادراتنا ولكن علينا العمل والعمل الجاد.. هذا هو الاصلاح النفسي الذي أقصده. * وماذا عن مؤتمر شباب مصر بشرم الشيخ؟! ** هذا المؤتمر فرصة جيدة لاعادة صياغة التعامل مع ملف الشباب.. لقد أعطينا لهم الفرصة للتنفيس والتعبير عن مشاكلهم وآن الأوان أن يتم تنفيذ توصيات هذا المؤتمر وضخ دماء جديدة في شرايين الدولة وأن نوفر المناخ للشباب للابداع والانطلاق عملاً لا قولاً لأن الشباب المصري قادر علي الانجاز وعلينا الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمشروعات التكنولوجية القائمة علي الابداع والتي تحقق عائداً اقتصادياً كبيراً مع اعادة النظر في المنظومة التعليمية حتي تكون قادرة علي ايجاد خريج يمتلك من المعرفة والمهارات ما يؤهله لسوق العمل.