تصالحت الحكومة مع حسين سالم رأس الفساد الهارب إلي أسبانيا.. أسقطت عنه كل الدعاوي القضائية التي تتهمه بالفساد والتربح والكسب غير المشروع في مقابل عدة مليارات من الجنيهات يدفعها من ثروته الملوثة.. ورفعت اسمه من كشوف ترقب الوصول بالمطارات وكشوف الممنوعين من السفر. انحازت الحكومة للرأي الذي يقول ماذا سنستفيد إذا سجنا حسين سالم أو حتي أعدمناه.. أليس الحصول علي جزء من المال الذي سرقه أجدي وأنفع للبلد وللشعب وميزانية الدولة المأزومة.. وماذا يضيرنا إن دفع وسقطت عنه الجريمة التي نقر بها جميعاً.. وصرنا نعرف تفاصيلها؟! وقدمت الحكومة عملية التصالح مع حسين سالم نموذجاً يمكن تطبيقه للتصالح مع الفاسدين جميعاً.. الذين أثروا بالمال الحرام.. وبطرق غير مشروعة.. نهبوا خيرات البلد.. وتآمروا علي مقدرات هذا الشعب.. وتكسبوا وتربحوا بأساليب ملتوية دفع الشعب ثمنها.. فصارت القاعدة عندنا: "أسرق.. ثم أدفع جزءاً مما سرقت.. تسقط عنك العقوبة.. وتتصالح معك الحكومة". واليوم.. يتكرر نموذج التصالح مع المتهمين بالفساد في صفقات توريد وتخزين القمح.. وهي القضية التي فقد بسببها وزير التموين منصبه واستقال نتيجة تهديده باستجوابات حقيقية في مجلس النواب وجمع توقيعات من أعضاء المجلس لسحب الثقة منه. صرنا نسمع ونقرأ في الصحف عن إخلاء سبيل هذا المتهم أو ذاك مقابل سداد المبالغ التي كشفت التحقيقات الأولية عنها وذلك في الوقت الذي كنا ننتظر إحالة هؤلاء الفاسدين المفسدين إلي المحكمة لمحاكمتهم ومعاقبتهم بعقوبات رادعة تقطع دابر الفساد المتوطن في بلادنا.. وتجعل كل من تسول له نفسه أن يتلاعب أو ينتهك القانون في تعامله مع المال العام يفكر ألف مرة في العقاب الذي سيناله.. لا أن يستهين بالأمر.. ما دامت النهاية ستكون بالتصالح ودفع جزء يسير من غنيمة الفساد. المفروض أن يكون استرداد حق الدولة وحق الشعب من الفاسدين منفصلاً تماماً عن بدعة التصالح واسقاط الجريمة وسحب الدعاوي.. المحاكمة العادلة والعقاب الرادع هما الاساس في التعامل مع كل من ارتكب فعلاً مجرماً.. وكل من انتهك القانون أو التف عليه.. والقانون يعاقب علي ارتكاب الجريمة أولاً.. ثم يأخذ حق الدولة المسلوب.. ولا يضع اسقاط الجريمة في مقابل الحصول علي جزء من المال المسروق. وإذا سرنا في طريق التصالح مع الفساد.. الذي لا يقل خطراً عن الإرهاب.. فسوف تسقط هيبة القانون وهيبة العدالة.. ويتجرأ الفاسدون علي إغراء غيرهم بالسير في طريق الفساد دون خوف.. طالما أن الموضوع سوف ينتهي بالمصالحة.. وليس بالسجن واسترداد الأموال وتلويث السمعة. ولعلنا نتذكر جيداً أن جرائم الاعتداء علي الأرض الزراعية قد زادت وانتشرت في كل المحافظات.. عندما تحول هذا الملف إلي مزايدات انتخابية.. وصار مرشحو الحزب الوطني.. الله يرحمه يضغطون علي الحكومة من أجل التصالح مع المعتدين علي الأرض الزراعية وقبول الغرامة.. وكانت النتيجة التي نعرفها جميعاً وهي تآكل الأرض الزراعية السوداء في أكثر أراضينا خصوبة بالوادي والدلتا وتلك والله جريمة تاريخية لن تغفرها لنا الأجيال القادمة. الجريمة جريمة.. وهي كل فعل جرمه القانون وجعل له عقوبة.. والقانون لا ينظر إلي من ارتكب الجريمة وإنما لتوافر أركانها.. ومتي توافرت أركانها كان لابد من العقوبة. لذلك نقول إن المصالحات التي تجري مع الفاسدين لاغلاق ملفات معينة خطر علي الدولة وخطر علي هيبة العدالة. القانون هو الحل.. ودولة القانون هي المستقبل.