* يسأل الشيخ سمير مصطفي أبوالزلط مسئول التحكم الآلي بشركة البتركيماويات المصرية بالإسكندرية: ما رأي الدين في بعض البرامج والصحف بتوجيه نقدها اللاذع والتشهير برجال الدين المعتدلين وعلماء الإسلام المخلصين تحت اسم الإصلاح والنقد البناء أو حرية التعبير؟ ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن مستشار العلوم الشرعية بالأزهر: لقد ورد في مكانة العلماء عن النبي صلي الله عليه وسلم حشد من النصوص المذكرة بفضلهم. وعلو درجتهم. ومن ذلك عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً. سهل الله له طريقاً إلي الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم. رضا بما يصنع. وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض. حتي الحيتان في الماء. وفضل العالم علي العابد كفضل القمر علي سائر الكواكب. وإن العلماء ورثة الأنبياء. وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً. وإنما ورثوا العلم. فمن أخذه. أخذ بحظ وافر" "رواه أبو داود". وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "فضل العالم علي العابد كفضلي علي أدناكم". ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين. حتي النملة في جحرها. وحتي الحوت ليصلون علي معلم الناس الخير" "رواه الترمذي". قال ابن القيم - رحمه الله تعالي - في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين": "العلماء هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء. بهم يهتدي الحيران في الظلماء. وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلي الطعام والشراب". ولما كان أهل العلم بهذه المنزلة. فقد جاء الشرع بتكريمهم. والحض علي توقيرهم. فعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يجل كبيرنا. ويرحم صغيرنا. ويعرف لعالمنا حقه" "رواه أحمد والترمذي". وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم. وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه. وإكرام ذي السلطان المقسط" "رواه أبو داود". وأخذ الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - بركاب أبي بن كعب - رضي الله عنه - فقيل له: أنت ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم: تأخذ بركاب رجل من الأنصار؟! فقال: انه ينبغي للحبر ان يعظم ويشرف. ومن عقيدة أهل الإسلام الحق أنهم يدينون لله - سبحانه - ويتقربون إليه باحترام العلماء الهداة. بلا غلو ولا جفاء. وفي ذلك يقول أبوجعفر الطحاوي في عقيدته المشهورة: "وعلماء السلف من السابقين. ومن بعدهم من التابعين. أهل الخير والأثر. وأهل الفقه والنظر. لا يذكرون إلا بالجميل. ومن ذكرهم بسوء. فهو علي غير السبيل. ومن هنا وجب ان يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال. وحفظ الحرمات. وما يوجد من بعض الناس في بعض المجالس أو وسائل التواصل الاجتماعي. أو بعض وسائل الإعلام من انتقاص أو ازدراء لأهل العلم. بسبب خلافهم. أو قولهم الحق والصدع به - يجب انكاره والرد علي قائله ونصحه. لأن الوقوع في العلماء إسقاط لهم. وحرمان للناس من الإفادة من علمهم. وحينئذ يتخذ الناس رءوساً جهالاً. فيفتون بغير علم فيضلون. فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد. ولكن يقبض العلماء. حتي إذا لم يبق عالماً. اتخذ الناس رءوساً جهالاً. فسئلوا فأفتوا بغير علم. فضلوا وأضلوا". وننبه إلي أن الجناية علي العلماء خرق في الدين وذهاب بآخرة المستهزئ. قال ابن المبارك - رحمه الله تعالي -: "من استخف بالعلماء ذهبت آخرته. ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه" بل قال الإمام أحمد بن الأذرعي: "الوقيعة في أهل العلم - ولا سيما أكابرهم - من كبائر الذنوب". وبما أن الجزاء من جنس العمل. فليخش الطاعنون في العلماء. المستهزئون بهم عاقبة من جنس فعلهم. فروي عن الإمام أحمد أنه قال: "لحوم العلماء مسمومة. من شمها مرض. ومن أكلها مات". حقاً ان من أعظم الآثار العاجلة لانتقاص العلماء والتهكم بهم: القلب. لأن من انتقص من مكانة علماء الدين. هان الدين في قلبه. وسهل عليه أن يتوجه بالطعن المباشر في أحكام الله - تعالي - وحدوده. وكل من شاهد تلك البدايات عبر صفحات التاريخ يجد كيف ان الله قد عاقبهم بالجرأة علي دينه فكانت عاقبتهم وخيمة بين الضياع والهلاك. بل ان الطاعنين في العلماء معرضون لاستجابة دعوة العالم المظلوم عليهم. فدعوة المظلوم - ولو كان فاسقاً - ليس بينها وبين الله حجاب. فكيف بدعوة ولي الله الذي قال فيه: "ولئن سألني لأعطينه. ولئن استعاذني لأعيذنه". فمحبة علماء الدين. ومعرفة قدرهم. وحفظ مكانتهم. والذب عن أعراضهم. والانتصار لهم ممن بغي عليهم منهج السلف الصالح.