أعباء الحياة كثيرة وثقيلة قد تدفع بعض الأشخاص إلي الاستدانة إلا أنه نتيجة ظروف قهرية خارجة عن إرادتهم لا يستطيعون الوفاء بهذا الدين وسداده مما ينتهي بهم المطاف خلف القضبان وهذه الفئة من المساجين تسمي "الغارمين".. وقد خصص الله سبحانه وتعالي في شريعة الزكاة سهما للغارمين لإطلاق سراحهم وإعادتهم للحياة العامة مرة أخري. التقينا سهير عوض مدير برنامج الغارمين بمؤسسة مصر الخير وسألناها: * حدثينا عن مشروع الغارمين ** الغارم هو كل شخص عليه ديون ولا يستطيع سدادها نظرا لظروفه المالية.. وهناك نوعان من الغارمين تستهدفهم المؤسسة الأول من يتواجد بالفعل في السجون.. والثاني من صدرت ضده أحكام نهائية واجبة النفاذ وترك أسرته دون عائل لهم خوفا من القبض عليه وأصبح علي مشارف السجن.. وهناك الآلاف من السيدات يقبعن داخل السجون المصرية بسبب عجزهن عن سداد الديون التي تراكمت عليهن نتيجة شراء أجهزة منزلية أو غيرها بمبالغ قليلة تبدأ بألف جنيه ولا تزيد علي 5 أو 10آلاف جنيه.. وبالتالي فإن الغارمين ظاهرة مجتمعية خطيرة تهدد كيان الآلاف من الأسر المصرية.. ولقد تبنت مؤسسة "مصر الخير" مشروعا لهذه الفئات تقوم من خلاله بتسديد الديون عمن يقبع خلف القضبان لعدم قدرته علي سداد مبالغ زهيدة تورط فيها بشراء سلع بالتقسيط أو كان ضامنا لشخص لم يقدر علي السداد وغير ذلك.. والمشروع هنا يعمل في 41 سجنا علي مستوي الجمهورية ثم تقيم للمفرج عنه مشروعا صغيرا يعينه علي تحمل أعباء الحياة ويغير من ثقافته فيصبح من شخص مطارد أو مسجون إلي آخر فعال ومنتج في المجتمع ينعم بالاستقرار والأمان.. إلي جانب أن هذا المشروع يرفع عن كاهل الدولة عبء تكاليف المسجونين والتي تبلغ 2... جنيه شهريا لكل مسجون. * وإلي أين وصل مشروع الغارمين؟. ** لقد استطاعت المؤسسة حتي الآن فك كرب ما يقرب من 31 ألف غارم وغارمة منذ إنطلاق المشروع منذ 5 سنوات ونهدف هذا العام 2016 إلي فك كرب 5 آلاف آخرين.. ولا تكتفي المؤسسة بسداد مديونياتهم وإخراجهم من السجن فقط بل توفر لهم مشروعات صغيرة تساعدهم علي بدء صفحة جديدة في حياتهم من خلال مورد رزق يساعدهم علي تحمل أعباء الحياة. * ما هي المعايير التي يتبعها مشروع الغارمين عند فك كربهم؟. ** في البداية عند بحث حالة الغارمين كانت مصر الخير تنظر للحالة الإنسانية ومقدار المبلغ الذي تسبب في دخول الغارم أو الغارمة السجن علي أن يكون من المدين الفقير الذي سجنه الدين في الأمور المباحة وهو أولي بالسداد لأنه اجتمع به أمران الفقر والغرم أو الذي أصيب بسبب كوارث أو المدين لإصلاح ذات البين أو الضامن مالا عن رجل معسر أو المدين الميت إذا كان ميراثه لا يفي بالدين كما يجوز تسديد دين من أراد تجهيز بناته في حال تعسره في السداد أو الهارب من حكم بسبب عجزه عن سداد الدين ولكن لا يجوز السداد عمن كان دينه في معصية كالخمر والميسر والربا ولا يجوز سداد الغارم القوي المكتسب القادر علي السداد.. ولكن بعد أن تبني المشروع إقامة مشروعات صغيرة للغارمين بعد الإفراج عنهم صرنا نبحث عن الحالات التي لديها استعداد للحصول علي فرصة عمل وإدارة مشروع صغير ممن تنطبق عليهم الشروط السابقة. توفير حياة كريمة * هل لهذا السبب يحمل البرنامج هذا العام شعار "العمل"؟. ** نعم لأن البرنامج أصبح له توجه آخر ليس مجرد إخراج الغارمين من السجون أو تقديم مساعدات شهرية أو موسمية أو مصروفات تعليم أو زواج أو علاج للمحتاجين بل يهدف إلي توفير حياة كريمة لهم فيما بعد ذلك خاصة الطبقات الأشد فقرا التي من الممكن أن تدخل دوامة الديون مرة أخري.. فالمشروعات التي تقيمها لهم المؤسسة تساعدهم علي العبور من مرحلة العوز والديون وترفع من مستوي معيشتهم وفي ذات الوقت تشجع الغارم أو الغارمة علي الإنتاج خاصة المرأة التي تناسبها هذه النوعية من المشاريع بالإضافة إلي أنها تعالج مشكلة البطالة وتوفر العمالة الفنية الماهرة بمصر إلي جانب أنها تؤدي إلي الارتقاء بالاقتصاد القومي واستحداث مناطق سياحية جديدة تجذب السائحين لزيارتها مثل خان الخليلي وغيرها والشعور بشرف تمثيل مصر في المعارض الدولية لاسيما أن هذه المنتجات لا تقل جودة عن أي منتج عالمي.. لذلك نطالب وزارة الصناعة بتقديم المزيد من الدعم لهذه الصناعات خاصة صناعة السجاد.. فقد أقامت المؤسسة مصانع للسجاد اليدوي في أبيس بالإسكندرية ونطمح في إقامة المزيد في جميع محافظات مصر ومصنعا لإنتاج المفروشات بسجن المنيا. * لماذا اخترتم منطقة أبيس؟ ** لأن بها أكبر عدد من الغارمين وإنشاء هذه المصانع بها أدي إلي تنميتها صحيا وبيئيا واجتماعيا.. فقد افتتح برنامج الغارمين أكاديمية مصر الخير لتعليم وإنتاج السجاد اليدوي بالقرية بحيث تقوم فكرة إنشاء المصنع علي تصنيع وتعليم صناعة السجاد اليدوي لإنتاج سجاد ذي مواصفات عالمية لذلك تم الاستعانة بخبراء في صناعة السجاد ومدربين علي أعلي مستوي قاموا بتأهيل الغارمين بعد فك كربهم ثم يتم منح الغارمين المتدربين شهادة معتمدة من المؤسسة ومركز التدريب الذي قام بالتدريب فيه في نهاية ورشة العمل.. وقد أقمنا في فبراير 2014 المصنع الأول الذي وفر فرص عمل لعدد 147 أسرة علي عدد 24 نولا.. ومع تزايد الراغبين في تعلم صناعة السجاد اليدوي أقمنا المصنع الثاني الذي يعمل به 148 أسرة علي عدد 25 نولًا ثم افتتحنا الثالث الذي يسع 45 نولا ويعمل به 250 أسرة ونهدف لإقامة 1000 نول في جميع محافظات مصر. * كيف يصمم الغارمون والغارمات رسومات السجاد؟. ** لدينا فريق عمل يقدم إبداعاته للعاملين في صناعة السجاد ولكن مؤخرا قمنا بتنظيم مسابقة لطلاب كليات الفنون الجميلة لتصميم ورسم نقوشات السجاد تتضمن 5 جوائز لأفضل 5 تصميمات وتشمل المسابقة شباب الجامعات الذين تخرجوا ولم يتمكنوا من الحصول علي شهاداتهم والعمل بسبب عدم سداد المصروفات بحيث تساير نقوشات السجاد الموضة العالمية. * من وجهة نظرك ما أهمية المعارض التي يشترك فيها الغارمون والغارمات؟. ** هذه المعارض خير دليل علي الإرادة القوية التي يتمتع بها الغارمون والغارمات حيث إنها مخصصة لبيع ما أنتجت أيديهم بعد سداد مديونياتهم وخروجهم من السجن ليثبتوا أنهم أصبحوا أيادي عاملة منتجة ومفيدة وتساعد علي اندماجهم في المجتمع.. كما أنه مما يكسب هذه المعارض أهمية خاصة أنها ليست علي المستوي المحلي فقط بل تشارك فيها دول مختلفة حول العالم فهي تعيد لهذه المنتجات مكانتها التي فقدتها مع ظهور الآلات الحديثة خاصة السجاد اليدوي وتعيد إحياءها مرة أخري بعد أن قاربت علي الاندثار وكانت مصر من الدول الرائدة وصاحبة الصدارة فيها. * ما نوعية المنتجات التي يصنعها الغارمون والغارمات؟. ** صناعة الأثاث والسجاد والكليم والمفروشات اليدوية كالشال والكوفرتة وغيرها. دنيا جديدة * وقعتم بروتوكول تعاون مع مؤسسة "دنيا جديدة" .. فما أهمية هذا البروتوكول؟ ** هذا البروتوكول خطوة في طريق تنمية الإنسان المصري ومدخل للتنمية الشاملة الذي هو هدف كلتا المؤسستين ومن أهم أهدافه الإفراج عن ألف غارم وغارمة قبل رمضان المقبل فمن واجب المؤسسات الخيرية أن تتكاتف مع بعضها البعض وتتكامل لبناء مصر وخدمة المجتمع لذلك أتمني أن تتعاون كافة الجمعيات الخيرية وتتبني استراتيجية موحدة تعمل علي خلق مجتمع ينمو ذاتيا.. فالمشروعات الصغيرة التي تبنتها المؤسستان بداية النهوض بالصناعة لأنها ممنهجة بحيث تخدم المجتمع وتدفع مصر نحو العالمية.. وتجدر الإشارة إلي أن هذا اتجاه عالمي وتتبعه كثير من الدول الصاعدة كأندونيسيا وسنغافورة وبعض دول شرق آسيا. * برنامج الأم المصرية تقيمه مؤسسة مصر الخير كل عام أثناء الاحتفال بعيد الأم ويوم المرأة المصرية.. فما الجديد هذا العام؟. ** برنامج الأم المصرية يقوم علي تنفيذ مشاريع تساهم في تنمية المرأة المصرية وتعمل علي زيادة دخلها وذلك من خلال 4 محاور هي توفير مصدر للدخل والرعاية الصحية ومحو الأمية وفك كرب الغارمين.. وكل عام نقيم احتفالية كبيرة نكرم فيها الغارمات اللاتي عانين كثيرا في حياتهن حتي تمكنّ من تربية أبنائهن ونهدف من وراء التكريم رسم البسمة علي هذه الوجوه التي عانت كثيرا بسبب الفقر والاحتياج.. وهذا العام سوف يشهد الاحتفال الذي سيقام منتصف هذا الشهر اختلافا كبيرا حيث سيشهد زيادة لعدد المكرمين كما أنه سيشارك فيه العديد من الجهات علي رأسها صندوق تحيا مصر. * ما نوعية التعاون بين مؤسسة مصر الخير وصندوق تحيا مصر؟ ** صندوق تحيا مصر استعان بالمؤسسة لفك كرب 1000 غارم وغارمة خلال شهر رمضان الماضي بقيمة 10 ملايين جنيه لثقته في خبرة برنامج الغارمين بالمؤسسة الطويلة في هذا الملف وهو دليل علي ثقة الجهات السيادية والتنفيذية في المشروع حيث إن فك كرب الغارم يستلزم 21 خطوة للإفراج عنه.. كما أن صندوق تحيا مصر تعاون مع مشروع الغارمين لإقامة مشروعات صغيرة للمفرج عنهم توفر لهم مصدر دخل وتحول دون رجوعهم خلف القضبان مرة أخري.