كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن استقلال القضاء.. وربط البعض بين تحقيق الاستقلال وضرورة منع انتداب القضاة من العمل كمستشارين للوزارات أو الهيئات سواء أثناء الخدمة أو بعد الانتهاء منها والخروج علي المعاش وذلك حفاظا علي قدسية المهنة وتحقيقا لتفرغ القاضي لعمله ورسالته وحتي يبتعد القاضي عن السلطة واغراءاتها. انقسمت آراء القضاة وأساتذة القانون بين مؤيد تماما لالغاء الانتداب شرط تعويض القضاة بزيادة رواتبهم .. وبين من يطالب بالابقاء عليه مع وضع ضوابط وقواعد تضمن عدم تحول الانتداب لجهة ما لوسيلة للاستقطاب والمجاملة وأن يتولي الإنتداب المجلس الأعلي للقضاء بعد دراسة مدي حاجة كل جهة لخبرة القاضي بالفعل. يقول المستشار ابراهيم صالح النائب الأول لمحكمة النقض ومجلس القضاء الأعلي الأسبق ان الحفاظ علي قدسية رسالة القضاة في المجتمع تستدعي حماية القضاة حتي من انفسهم ومن أي تأثير علي عملهم باعتبارهم الملاذ الوحيد لتحقيق العدل وأنهم الجبل الذي يؤوي جميع المواطنين لنيل حقوقهم والقصاص من الخارجين علي القانون. يضيف أن القاضي يعيش بين الناس ولا يعيش معهم حتي لا يتأثر بأي علاقات في عمله وحتي يتفرغ لرسالته .. لذلك يجب الغاء ندب القاضي للعمل كمستشار لأي جهة اثناء وجودهم في الخدمة يبتعد القاضي عن السلطة واغراءاتها التي قد تؤثر علي عمله ويتفرغ لتحقيق العدالة. يؤكد ان قدر القضاة ان يتفرغوا لعملهم وذلك لا يعني مصادرة علي فرص زيادة دخلهم ولكن للحفاظ عليهم من انفسهم.. اما عند خروجهم من الخدمة والوصول لسن المعاش والتقاعد فلهم الحرية الكاملة في العمل بأي جهة إداريه تحتاج لخبرتهم القضائية. يؤكد د. سيد عتيق رئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة حلوان أن استقلال القضاء يحتاج عدة خطوات أهمها الغاء انتداب القضاة للوزارات والهيئات والشركات للعمل كمستشارين قانونيين نهائيا وتعويضهم عن مرتبات الانتداب بزيادة رواتبهم بدون حد أقصي .. فلا يعقل ان يتقاضي مستشارمحكمة النقض راتبا شهريا يصل الي 12 ألف جنيه في حين يتقاضي مدير الأمن 300 ألف جنيه شهريا!! يضيف أن توفير مستوي اجتماعي يليق بالقاضي مطلب اساسي لضمان تفرغه لعمله وتحقيق العدالة كما يحدث في جميع دول العالم ففي انجلترا يتقاضي رئيس مجلس القضاء الاعلي مرتبا يفوق مرتب رئيس الوزراء كما ان لديه ميزانية مفتوحة للتحقيق في القضايا. يقول ان استقلال القضاء يحتاج الي تولي المجلس الاعلي للقضاء سلطة تعيين النائب العام وليس بقرار جمهوري من رئيس الجمهورية كما هو سائد عندنا.. وذلك حتي يكون منصب النائب العام غير خاضع للسلطة التنفيذية لان هذا المنصب ليس منصبا سياسيا وقضائيا في المقام الأول. استثناء التدريس يشاركة في الرأي المستشار محمد حشيش رئيس محكمة استئناف المنيا سابقا فالقاضي بشر وغير معصوم من الخطأ لذلك فإلغاء الإنتداب للقضاة ضرورة لتحقيق الاستقلال وحفظ قدسية القضاة .. علي أن يتم الانتداب فقط للتدريس بكليات الحقوق والشرطة حتي ينقل خبرته العلمية والعملية للطلبة .. لان عمل القاضي كمستشار في اي جهة يجعله موظفا بها مما يقلل من مكانته وهيبته.. يضيف بأن ذلك يستدعي أن يتولي المجلس الأعلي للقضاء سلطة الإشراف والتفتيش علي القضاة لأن اعضاء المجلس هم شيوخ القضاة ذوو الخبرة القضائية العريقة حيث يتكون من رئيس محكمة النقض وثلاثة مستشارين من أقدم رؤساء محاكم الاستئناف في القاهرة والاسكندرية وطنطا بالاضافة الي اقدم نائب لرئيس محكمة النقض والنائب العام. يقول ان تولي مجلس القضاء الاعلي لميزانية القضاء يمكن ان يساعدهم علي تحسين الأجور والمرتبات لرجال القضاء وتحسين دخولهم تعويضا عن الغاء الانتداب أثناء فترة عملهم بالقضاء. المستشار مصطفي الكومي رئيس محكمة استئناف القاهرة له رأي آخر.. حيث يري أن هناك جهلاً بالقواعد القانونية المقررة والمستقرة من مئات السنين والمعمول بها دولياً ومحلياً.. فإذا كان استقلال القضاء يعني عدم تأثره بأي رأي أو ضغط فإن مسايرة آراء البعض وإدارة العدالة القضائية بأفكار قاصرة ومغلوطة هو في حد ذاته ضد استقلال القضاء والقضاة.. يؤكد أن انتداب القاضي المصري لجهة ما داخلياً وإعارته للخارج الهدف منه الاستفادة من خبرته القانونية في التعاقدات والمشكلات القانونية التي تنتج عن إدارة العمل وخاصة في ظل الاستثمار المفتوح عالمياً وأن حجب الخبرة القضائية قد يؤثر سلباً علي هذه الاستثمارات والإدارات. يضيف أنه ضد منع الانتداب ولكنه مع وضع قواعد ونظم معينة حتي لا يكون الانتداب لأي موقع إداري في الدولة لمجرد الاستقطاب والمجاملة لشخصية قضائية معينة.. وأن يتم الانتداب عن طريق المجلس الأعلي للقضاء الذي يحدد ويدرس مدي احتياج الجهة التي تطلب الانتداب لخبرة القاضي بالفعل من عدمه.. مثلما يحدث للشروط التي من خلالها الإعارة لدولة أجنبية أو عربية حتي نقضي علي أي شبهة للمجاملات والاستمالات للقضاة. يقول إن ربط البعض بين استقلال القضاة ومنع الانتداب أو الإعارة لحمايتهم من القيل والقال هو في حد ذاته تعد علي استقلال وقدسية القضاة. وقد أصبحنا في حاجة ماسة في هذا الوقت لحماية القضاة من إدانة الرأي العام لهم والتربص بالأحكام الصادرة منهم ضد رموز الفساد بسبب تهيئة الرأي العام للإدانة فقط للمتهمين.