كل دول العالم تضع القوانين لضبط ايقاع الحياة واحقاق الحق وكشف الباطل ومعاقبة الخارجين علي القانون من القتلة واللصوص والمرتشين وغير ذلك من المجرمين علي كل صنف ولون .. لكن .. لم نسمع ابداً - الا عندنا- ان توضع مادة في قانون العقوبات تلقي ادلة افساد المجرم في "الزبالة" وتعفيه من العقوبة بل وتساوي بينه وبين الشرفاء وهي بذلك تساعد علي الافساد بدلاً من القضاء عليه واجتثاثه من جذوره ..!!! هذه ليست فزورة ولا كلاماً خيالياً أو انشائياً بل حقيقة للأسف الشديد .. ومن لا يصدق فليفتح قانون العقوبات ويقرأ نص المادة 107 مكرر منه والتي تقول : "يُعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي . ومع ذلك يُعفي الراشي أو الوسيط من العقوبة اذا اخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها" ..!!! نعم يُعفي ولابد ان يُعفي اذا اخبر السلطات بالجريمة قبل وقوعها وساعد الأجهزة في القبض علي المرتشي متلبساً ويكون بذلك "شاهد ملك"¢ .. لكن بأي حق أو منطق يُعفي بعد سقوطه متلبساً ..؟؟ ماذا يجدي اعترافه هنا سواء خلال التحقيقات أو المحاكمة وما هي قيمته ..؟؟ هل نعطيه بأيدينا "طوق النجاة" بحجة تقديمه الدليل الدامغ علي المرتشي ..؟؟ تعالوا نطبق نص هذه المادة الشيطانية علي قضية الرشوة الكبري في وزارة الزراعة لتعرفوا انها مادة كارثية .. وانا هنا لن اخوض في القضية لأن عليها حظر نشر ولكني اتحدث من واقع المعلومات الصادرة من مكتب النائب العام في بيانه .. والمعلومات تقول ان هناك خمسة اركان للقضية : المرتشي هو وزير الزراعة ومدير مكتبه . والراشي هو رجل الأعمال ايمن الجميل . والوسيط هو محمد فودة الذي يزعم زوراً وبهتاناً انه اعلامي والخارج من السجن منذ فترة . وقيمة الرشوة وهي عبارة عن اموال وفيلا وسيارة ورحلة حج لعائلتي المتهمين ومآدب طعام . وسبب الرشوة انهاء اجراءات تقنين 250 الف فدان . لا يهمني الوزير ولا مدير مكتبه .. لكن يهمني ما سوف يحدث مع الراشي والوسيط .. فمن المؤكد ان فريق دفاعهما سوف يستغل نص المادة 107 مكرر وسيجعلهما يعترفان علي الوزير وتابعه ويطلب بالتالي تغيير مركزهما في القضية من متهمين الي شاهدي اثبات ليصبح كل منهما "شاهد ملك".. وباعترافهما سيتم الافراج عنهما فوراً ..!!! السؤال هنا : كيف يكون اي منهما "شاهد ملك" بعد سقوطه متلبساً وليس قبل السقوط ولو لم تكن الأجهزة "صاحية" لما سقط اي منهما ولتم تقنين الأرض سواء كان ذلك من حق الراشي فعلاً وعطلته الاجراءات البيروقراطية أو لم يكن من حقه اصلاً واراد لطش الأرض ..؟؟ اذن نحن امام جريمة مكتملة الأركان .. ومع ذلك سوف يعترف الراشي والوسيط حتماً علي الوزير ومدير مكتبه سواء خلال التحقيقات أو امام المحكمة ويستفيدان من المادة الكارثية وتتم تبرئتهما .. وبعدها سوف تفرد التقارير والاعلانات والمقابلات الصحفية والتليفزيونية المدفوعة التي تمجد بالراشي والوسيط وبالفتح العظيم الذي حققاه .. اسقاط وزير الزراعة ..!!! ان هذه المادة في حد ذاتها كارثة بكل المقاييس .. فهي تمنح الفاسدين "صك الغفران" .. وهذا الصك يسمح لهما بممارسة الحياة السياسية كاملة بالترشح للبرلمان القادم خاصة ان المادة الثانية من قانون مباشرة الحياة السياسية وتعديلاته اشترطت لمنع الترشح صدور حكم قضائي نهائي وبات في قضايا بعينها وفي مقدمتها القضايا المخلة بالشرف كالرشوة .. والراشي والوسيط لم يصدر ضدهما حكم نهائي وبات في أي من هذه القضايا .. وحتماً سيقدمان اوراق ترشحهما علي الأقل لاثبات انهما شريفان وسيجوبان دائرتيهما ويزعمان انهما اللذان اسقطا الوزير "الوحش الفاسد" ..!!! وقد تضرب معهما ويصبحان نائبين في البرلمان ويدافعان عن الشرف وحقوق المواطن ومحاربة الفساد .. شفتم مسخرة مثل هذه ..؟؟ ان هذه المادة المشبوهة لابد من تعديلها اليوم قبل الغد .. فمن غير المنطقي ان نعطي الفاسدين طوق النجاة و "منديل الأمان".. الحرب علي الفساد اما ان تكون حرباً حقيقية أو فضوها سيرة واتركوا من ينهب ينهب ويزداد مالاً حراماً ومن يجوع يجوع ويزداد فقراً . لكن .. احذروا توابع هذه المادة الفاسدة.