لم أقابل في حياتي كلها شخصا مثل رياض عبدالله الصباحي. التقيت به اليوم صدفة في ميدان التحرير. نشأنا معاً في عزبة أبوربيع. كان يفوقنا ذكاءاً المتوقع حصوله علي أعلي الدرجات في الثانوية العامة. رسب. فشل حتي في الحصول عليها. مصيبته كانت في انكبابه علي القراءة لكل ما يقع تحت يده بشرط ألا يكون من المقررات الدراسية. الأدهي والأمر ذلك الجهاز العجيب المركب في رأسه والذي يفرض عليه عقد مقارنات لا تخطر علي بال غيره والخروج بنتائج تخصه هو وحده. أعرف أنه احترف مهناً عديدة كان آخرها كما علمت "قهوجي" في مقهي بالسيدة زينب. فرحت عندما وجدته أمامي فلابد ان تكون هذه الثورة ثورته. طالما تنبأ بها. تمناها. كتب عنها قبل ان تتأجج- نثراً وشعراً. ومواويلاً. ياما اتغنت في الندوات والقعدات وعلي أرصفة المقاهي. لا أذكر جمعة ماذا تلك التي قابلته فيها. جمع كثيرة بأسماء عديدة كانت قد مرت في الأول كانت "السيمترية" واحدة. نفس الأعمار. نفس الملابس. نفس الكلام. نفس الأحلام ولكنها أخذت تتغير. الميدان نفسه والحياة من حوله. كله تغير ملهوفا "رياض حبيبي انت الوحيد الذي يمكن أن يشرح لي. يفهمني. ينورني. ما الحكاية؟ إلي اين نحن ذاهبون يا رياض؟ أمامي. محدقا في عيني كعادته. وجهه طويل. ملامحه ناصعة. عيونه فسيحة الارجاء. يمكن التجول فيها للفرجة. - لم أعد آتي هنا لأتظاهر وصمت طويلا - أنا آتي لآكل. هناك من يزودنا بالغذاء. كلام في سرك يستخدموننا كأدوات لوضع اليد. أتفهم؟. أي شيء يصعب نقله من مكانه. وهو يقضم السندوتش "الميدان لقطة" ثم وهو يتأهب لرشفة بيبسي. "لو اتصقع يجيب الشيء الفلاني" وهو يمسح فمه بظهر يده "أنام هنا ايضا" وهو يضحك "تستطيع القول أني حصلت علي منحة التفرغ التي كنت استحقها". لمحت رزمة أوراق في يده أجاب قبل السؤال "رواية جديدة. بطلتها رأيتها هنا في اليوم الأول للثورة. كائن بللوري. أتفهم؟ أقول لك بللوري. أحببتها. عشقتها إلي حد الجنون. أخذت أحوم حولها في الليل كالفراشات ولكن علي البعد الكافي. إتقاء للاحتراق. أزمعت محادثتها في الصباح. ولكنها اختفت. ثم لم أرها بعد ذلك". مسح دمعة تساقطت. ألقي بالسندوتش والبيبسي. وبصق. تركني ومشي.