العلماء الذين تتبعوا العلاقة بين مختلف الفنون يؤكدون أنها بدأت في هيئة مشتركة. تمثل فيها وحدة العلم التعبيري.. ثم كانت الخطوة الثانية هي التنوع الفني الصادر عن نفس الفنان المعبر بجميع الأشكال الفنية الأدبية والموسيقية والشكلية في إبداع واحد مشترك. كان ذلك في العصر الحجري القديم عندما خرج الإنسان من المرحلة الحيوانية وبدأت تظهر عليه ملامح المرحلة الإنسانية. وهكذا بدأ تقسيم العمل وتفرعت الفنون إلي فنون جميلة وغناء بكلمات أدبية ثم ظهرت الموسيقي. وأصبح لكل فرع من هذه الفروع فنان تخصص في أحدها. لا يجيد التعبير بالفروع الأخري.. بل وانقسم كل فرع بعد ذلك إلي فروع أكثر تخصصاً كالشعر والقصة والرواية والمسرحية في الأدب. والنحت والرسم والعمارة.. في الفنون الجميلة. لكن هناك عودة إلي الارتباط بين الفنون مرة أخري. علي مستوي أكثر رقياً يتناسب مع درجة التطور والارتقاء التي بلغها الإنسان في عصرنا الحديث.. وأقصد بها فنون المسرح والسينما والتليفزيون وما شابه ذلك. فهي مجالات تجمع كل الفنون الجمالية والأدبية والموسيقية في أعمال فنية متكاملة يشترك في ابداعها كل فنان في تخصصه.. ويسيطر هذا الارتباط وهيمنة الأشكال التي تجمع كل الفنون العلاقات الفنية في عصرنا الحاضر وقد بدأت بوحدة العمل التعبيري عند الإنسان البدائي ووصلت إلي نفس هذه الوحدة ولكن علي مستوي جديد راق. عندما خرج الإنسان الأول من الغابة وبدأ يسكن الكهوف. أي عندما انتقل من مرحلة الجماعة الحيوانية "أي القطيع" إلي مرحلة المجتمع الإنساني "أي الأسرة أو القبيلة".. في ذلك الوقت لم تكن أدوات التعبير اللغوي عنده قد نضجت بعد. فاللغة لم تكن قد اتخذت شكلاً مكتملاً. بل كانت مجموعة من الأصوات والمقاطع تكفي بالكاد لتحقيق شكل مبسط من التفاهم.. وكان الكهف بالنسبة للإنسان الأول هو عالمه الكامل.. فالخروج منه يستلزم درجة عالية من النضج سواء الجسدي أو الذهني . وكان الجوع هو الحافز الوحيد علي الخروج من الكهف للصيد أوالبحث عن الثمار.. أما الأطفال والشيوخ فكانوا يظلون في داخله لايبارحوه. ففي تلك المرحلة كان الإنسان قد خرج لتوه من مرحلة الغذاء علي الثمار إلي مرحلة الصيد وأكل لحوم الحيوانات التي تتغذي علي النباتات.. وكان الكهف هو عمارة الإنسان الأول أما العمارة كفن إنساني ذا قيمة نفعية. فلم تكن قد ظهرت بعد.. واللغة لم تكن قد اكتملت فكان الإنسان يفرغ كل طاقاته التعبيرية في رسومه علي جدران الكهوف التي كانت تمثل أهم مجال للتعبير الجمالي عند أجدادنا الأولين.. ويقول الدكتور حسن الباشا في هذا الموضوع إنه "كان للإنسان فن مرسوم قبل أن تكون له لغة مكتوبة أو تاريخ معروف.. ولقد ثبت أن الإنسان في العصر الحجري القديم منذ نحو 35 ألف سنة قد أنتج فناً لايزال يشغل علماء الآثار والفنون حتي وقتنا الحاضر.