كان "عثمان" معلم أجيال من الطراز الأول ماهرا جدا ومتمكنا في مادة الرياضيات التي يدرسها لطلبة الثانوية العامة. لذلك كان الطلاب يأتون إليه من كل حدب وصوب لأخذ الدروس الخصوصية عنده. وجمع الأستاذ "عثمان" من هذه الدروس أمولاً لا حصر لها مكنته من تجهيز شقة والزواج في عام ونصف العام فقط. سافر بعد زواجه بعامين هو وزوجته المدرسة "نهال" إلي بلد خليجي في إعارة للعمل هناك. وبعد سفرهما بعدة شهور حملت زوجته وأنجبت طفلة جميلة هي "ثريا" التي أخذت جمال أمها وذكاء والدها ومرت الأيام والأسرة الصغيرة تنتقل من نجاح إلي نجاح ومن سعادة إلي سعادة. رغم انشغاله الدائم بعمله في المدرسة وبعدها في الدروس الخصوصية لم ينس الأستاذ "عثمان" رغبته في إنجاب ولد يكون سندا له في المستقبل ويحمل اسمه. فرغم حبه لابنته "ثريا" إلا أنه كان يحلم بإنجاب طفل آخر يكون امتدادا له بعد عمر طويل. استجاب الله لرغبة "عثمان" وزوجته "نهال" وبعد سبعة أعوام كاملة في الغربة حملت "نهال" بطفلها "صلاح" الذي أتي إلي الدنيا حاملا الفرحة والسعادة لوالديه. كان الطفل الجديد هو قرة عين والديه. وكان "عثمان" إذا عاد في نهاية اليوم من عمله مرهقا حمل طفله وأخذ يلاعبه ويلاطفه لوقت طويل حتي ينام الطفل بين يديه. أما "ثريا" فكانت أمها تعوضها بحنانها عن انشغال الأب عنها. رغم وجوده في الغربة حرص "عثمان" علي النزول للقاهرة كل عامين لمدة شهر أو أكثر قليلا. وكان خلال فترة إجازته يذهب لزيارة أهله وأهل زوجته كما قام بشراء قطعة أرض كبيرة أقام عليها عمارة ستة طوابق خصص منها ثلاثة طوابق لأسرته وثلاثة أخري قام بتأجيرها. مرت السنوات وعاد الزوجان إلي مصر بعد غربة استمرت 15 عاما واستقرا مع طفليهما في العمارة التي أنفق الزوجان نصف سنوات الغربة لبنائها.. بعد عامين تقدم أحد الشباب لخطبة "ثريا" والتي تم زفافها بعد الخطوبة بعدة أشهر.. وبقي في البيت عثمان وزوجته نهال ونجلهما الوحيد "صلاح" الذي أتم عامه التاسع عشر وبدأ دراسته الجامعية في كلية التجارة.. وكان الشاب يحصل من والده علي كل ما يريد فاشتري له أبوه سيارة حديثة واقتني أفخم الملابس. وأعطاه أبوه مصروفا شهريا ضخما لا يحظي به أحد أقرانه. وسط هذا الجو الرائع مات "عثمان" فجأة وترك زوجته ونجله الوحيد وحزنت عليه الزوجة لدرجة أنها لحقت به بعد عدة أشهر من وفاته. وفجأة وجد "صلاح" نفسه مليونيرا لديه رصيد ضخم في البنوك. وعقارا كبيرا لا يشاركه فيه سوي شقيقته "ثريا" التي ورثت معه بحسب الشرع ثلث المال. كان لصلاح عدة أصدقاء في الجامعة منهم الصالح ومنهم الطالح وبعد موت والده تجمع حوله "شلة فاسدة" استدرجوه لصحبتهم وجعلوا منه زعيما عليهم. وبدأوا في جذبه إلي عالمهم السييء. فعلموه شرب الخمر والسهر في البارات ومصادقة الراقصات. ولم يأبه "صلاح" لاستنكار أخته وزوجها ورفضهما لسلوكياته. ولم يهتم أيضا لرسوبه المتكرر في الجامعة. استمرت حال "صلاح" أكثر من عام مع شلة الفاسدين وتطورت الأمور إلي الأسوأ بعد أن وصل به الأمر إلي تعاطي الهيروين. فخلال مدة وجيزة أنفق "صلاح" كل الأموال السائلة التي تركها له والده ثم بعد ذلك باع سيارته. وأخيرا لم يجد أمامه سوي بيع نصيبه من عقار والده. وقد أنعشت حصيلة البيع أحواله تماما فعاد لحياة التبذير والعربدة وشم الهيروين إلي أن وصل مرة أخري إلي حافة الإفلاس فقام بالاقتراض من زوج شقيقته مرة ثم اقترض من أخته مرة. ولما أغلق هذا الباب في وجهه. بدأ مع أصدقاء السوء في السطو علي الشقق الفاخرة. لكن لأنه حديث العهد بالانحراف سقط سريعا في يد الأمن وألقي به في السجن. تغير حال "صلاح" من النقيض إلي النقيض وأصبح من يراه الآن داخل سجنه لا يصدق أن هذا هو صلاح عثمان ابن العز والجاه. أما صلاح نفسه فيقضي أيامه في ذهول وعدم تصديق. ولسان حاله يقول لمن يراه "هل من معتبر".