هل ينفصل الوزير عن بيئته وعن مجتمعه بعد أن يصبح وزيراً؟! لست متأكداً من ذلك.. لكن تجربة بعض الوزراء جعلت السؤال يلح علي.. وأقرب مثال التصريح العنصري لوزير العدل المستقيل الذي اكتشفنا من بعده أن الرجل مثل أغلبية هذا الشعب نشأ في بيئة متواضعة وأسرة متوسطة الحال لوالد مزارع.. وأدركنا أن تصريحه العنصري لا يعني أكثر من انفصاله عن بيئته ومجتمعه. وقد شاركت في أكثر من لقاء كان يتحدث فيه المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة فبدا لي ودوداً متواضعاً.. مرتبطاً بالمجتمع وبنبض الشارع.. لكنه وبعد حوالي عامين في المنصب الوزاري يبدو أنه انفصل عن المجتمع وابتعد عن نبض الشارع.. والدليل علي ذلك تصريحاته علي هامش افتتاح ملتقي التوظيف بالمنصورة التي نشرتها "الشروق" علي صفحتها الأولي الأربعاء الماضي. قال المهندس خالد عبدالعزيز إن مصر لا توجد بها بطالة إطلاقاً.. وأن الإحصاءات التي تشير إلي أن نسبة البطالة تبلغ 13% غير حقيقية.. مضيفاً: لدينا وظائف كثيرة جداً في مصر ولا يوجد شباب يعمل بها.. بعض الشباب لا يعملون لأنهم لا يجدون نوعية العمل الذي يريدونه.. بينما يعاني أصحاب الأعمال والشركات من عدم وجود شباب للعمل معهم. وأرجع المهندس خالد أزمة التوظيف إلي أن حلم الشباب كان العمل في البنوك والقطاع الخاص.. وبعد تكرار الأزمات وعدم الاستقرار في القطاع الخاص توجه أولياء الأمور للتفكير في العودة للعمل الحكومي من أجل الاستقرار ولأن الحكومة تزيد رواتبها ولا تتأثر بالثورة والأزمات الاقتصادية وباتت الآن العودة للقطاع العام هي الأفضل للمواطن.. وأضاف أن هناك شباب صغير يبيع مناديل في إشارات المرور ويكسب 150 جنيهاً في اليوم.. والبقشيش الذي يحصل عليه الشباب الذي يعمل بالكافتيريات والمطاعم يصل 150 جنيهاً يومياً.. وهذا المبلغ يدفع شباباً آخرين إلي ترك العمل في المصانع مقابل 1500 جنيه لمدة 9 ساعات لأنهم يرون أطفالاً يحصلون علي دخل يقارب 3 آلاف جنيه. هذه الرؤية المبتسرة لا تعني بالنسبة لي إلا أن وزير الشباب والرياضة انفصل عن بيئته وعن مجتمعه.. وفارق نبض الشارع.. وصار يردد الكلام الذي يصله في تقارير الموظفين.. وهي تقارير تسعي لإعلان البراءة وتسديد الخانات وإراحة ضمائر المسئولين لا أكثر.. لكنها لا تجتهد في تحليل المشكلة والنظر إليها من كل الجوانب لإيجاد حلول واقعية وجادة لها. يقيناً.. قبل الوزارة كان المهندس خالد يعرف أن أزمة البطالة قد تفاقمت لأكثر من 13% بسبب وقف التعيينات في الحكومة وإغلاق آلاف المصانع والشركات وكارثة الخصخصة والمعاش المبكر وتوقف الاستثمارات الجادة الإنتاجية التي تستوعب شباب الخريجين والقوانين الظالمة التي تعطي صاحب العمل الحق في فصل العاملين أو تشغيلهم في مواقع لا تتناسب مع مؤهلاتهم وخبراتهم. ويعرف المهندس خالد أو كان يجب أن يعرف أن فرص العمل التي تأتي عن طريق ملتقي التوظيف لا تحل أزمة البطالة لأنها تتعلق بأعمال لا تحقق الاستقرار الذي ينشده الشباب.. ولا توفر له حقاً في التأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية.. وكلنا يعرف أن المطلوب في هذه الوظائف أن يعمل المهندس والمحاسب رجل أمن.. أو يقبل خريج الشريعة والقانون بأن يقف علي باب الحمام في فندق حاملاً المناديل الورقية للنزلاء.. وكلنا يعرف أن صاحب العمل صار يجبر الموظف علي توقيع ورقة الاستقالة في نفس الوقت الذي يوقع فيه علي عقد العمل. هل يعرف وزير الشباب ذلك كله؟! أظنه كان يعرف قبل أن ينفصل عن الواقع ويصدق التقارير.. لذلك أدعوه لأن يتخلي عن الحرس والسيارة ويعود إلي مجتمعه أسبوعاً واحداً ليشحن بطاريته بالمعرفة الحقة.. ويعالج مشكلة الانفصال.