في أوائل الستينيات من القرن العشرين. عرفت الطريق إلي مبني دار الكتب بباب الخلق. وإلي دار المحفوظات بالقلعة. وإلي مكتبات أخري عامة وخاصة. كنت قد بدأت في إعداد بطاقات كتابي "مصر في قصص كتابها المعاصرين" الذي أقدم فيه أول محاولة تطبيقية في علم الاجتماع الأدبي. أدرس من خلالها صورة المجتمع المصري في الأعمال الروائية والقصصية. منذ الثورة العرابية إلي ثورة يوليو .1952 وكان طموحي أن أعرف ماضي بلادي وحاضرها. وأستشرف مستقبلها من خلال الأعمال الأدبية التي عبرت عن مراحل متباينة في حياة المجتمع المصري. في ضوء ما اصطلح علي تسميته بعلم الاجتماع الأدبي. أمضيت أياماً طويلة في قراءة رواية سماها مؤلفها محمد كاظم ميلاني "السبب اليقين المانع لاتحاد المسلمين". أفرد الكاتب للشيعة الإثني عشرية. وجوانب اختلافها عن المذاهب الإسلامية الأخري. أكثر من نصف صفحات الرواية. وهو الهدف الذي انشغل به الكاتب. فضلاً عن انتقاده لبعض سلبيات الحياة المصرية. وبالتحديد. فقد تحولت الرواية في قسمها الثاني إلي ما يشبه البحث المطول عن الشيعة الإثني عشرية. وما يجعلها إضافة إلي الاجتهاد الإسلامي. وليس العكس. واستشهد في ذلك بآيات من القرآن الكريم. وأحاديث للرسول صلي الله عليه وسلم ووقائع تاريخية. وفقه الإثني عشرية. والفروق بينها وبين غيرها من المذاهب. ومعني الإمامة. وفرق الشيعة. بل إنه قد ترجم لأئمة الإثني عشرية منذ الإمام الحسن. الابن الأكبر لعلي بن أبي طالب. حتي محمد بن الحنفية الذي يعتقد بعض طوائف الشيعة أنه هو المهدي المنتظر. وغيرها من المعلومات التي تطالعنا في كتب الشيعة. حاول الكاتب أن يجعل معلوماته وآراءه نبض مساجلات بينه وبين "العقلاء والفضلاء" الذين أحاطوا به من كل فج لمناقشته حسابات الدخل والخرج. لكن المساجلات تحولت إلي ما يشبه الدراسة المطولة. التي تناقش ما يبدو من أوجه الاتفاق والاختلاف. وأنه "لا فرق ولا اختلاف في الأساس. وما سمعناه وما أشيع عن هذه الطائفة هو محض اختلاق ومساس". الرواية تطرح قضيتها الأهم في العنوان "السبب اليقين المانع لاتحاد المسلمين". وهو سبب كما يشير في الصفحات الأولي إلي عناصر الاختلاف بين السنة والشيعة. وكفي علي حد تعبيره ما حوي هذا الاسم من الإشارة. وما فيه من المعني ودليل العبارة. كانت رواية كاظم ميلاني بداية خطوات تناقش أوجه الاتفاق والاختلاف بين السنة والشيعة. وتلح علي أوجه الاتفاق. لعل أهم تلك الخطوات مساجلة علمية متفردة بين الإمام الأكبر الشيخ عبدالمجيد سليم والمرجع الشيعي الأكبر في أواسط القرن الماضي. تضمنها كتاب "المراجعات" الذي صدر منه حتي الآن أكثر من 30 طبعة. ويعد مرجعاً مهماً للمشتغلين بالدراسات الدينية.