حسم المجلس العسكري القضية.. أو هذا ما ينبغي أن يكون.. وذلك بأن أعلن التزامه بنتائج الاستفتاء الشعبي الذي قرر اجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور الجديد.. علي أن يقوم النواب المنتخبون في مجلسي الشعب والشوري باختيار لجنة - أو جمعية تأسيسية - تتولي وضع مسودة الدستور الجديد الذي يطرح علي الشعب في استفتاء عام.. فإن أقرت الأغلبية هذه المسودة صارت دستوراً وإن رفضتها تم تعديلها حتي يرضي عنها الشعب في استفتاء جديد. ولأن الاستفتاء الشعبي الذي أجري في 19 مارس الماضي كان أول خطوة حقيقية في طريق الديمقراطية الطويل فقد كان من الواجب الوطني علي كل الاطراف احترام نتائجه أيا كانت والتأكيد علي الالتزام بها. خصوصاً أن هذا الاستفتاء مشهود له من الجميع بالنزاهة ولم يلحق به تزوير أو تزييف. وإذا كان البعض يأخذ علي هذا الاستفتاء أنه جاء في ظروف استقطاب طائفي وديني.. وهذا صحيح للأسف الشديد فهناك من صور للناس أن "نعم" تعني الدفاع عن المادة الثانية التي لم تكن أساسا مطروحة للنقاش وفي المقابل هناك من صور للناخبين أن "لا" تعني الانتقام من التيارات الدينية وتحديها حفاظا علي حقوق المسيحيين.. ومع ذلك فإن الاختبار الأكبر يتمثل في قدرتنا علي احترام الإرادة الشعبية التي تبلورت في نتيجة الاستفتاء. وأكثر من ذلك.. فنحن جميعا ندرك أن هذا الاستقطاب الذي حدث في الاستفتاء قابل للتكرار - للأسف مرة أخري - في أية انتخابات أو استفتاءات قادمة.. فماذا نحن فاعلون؟! هل يمكن أن تلغي نتيجة الانتخابات لأن بعض المواطنين المسلمين قالوا كذا وبعض المواطنين المسيحيين قالوا كذا.. أم سنمتثل جميعاً لرأي الأغلبية ما دامت العملية الانتخابية سارت في اجراءاتها علي الأرض وفق قواعد النزاهة المعترف بها وكانت الأصوات صحيحة بلا تزييف أو تزوير؟! علي الجانب الآخر أكد المستشار د. محمد أنور عطية النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية للفتوي والتشريع أن المجلس العسكري لا يملك وضع دستور جديد قبل اجراء الانتخابات البرلمانية القادمة إلا بعد الرجوع إلي الشعب واجراء استفتاء علي ذلك مؤكدا أن المجلس ملتزم بتنفيذ المادة 60 من الاعلان الدستوري التي تنص علي أن يجتمع الاعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشوري في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس العسكري خلال 6 أشهر من انتخابهم لاختيار جمعية تأسيسية من 100 عضو تتولي اعداد مشروع دستور جديد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيله. وقال د. عطية إنه لا يوجد في الفقه الدستوري ما يسمي بالمواد فوق الدستورية لأن الدستور أعلي شيء في البلاد. وقد كان من الواجب أن يتوقف النزال الدائر حالياً حول الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً بعد هذين التطورين الجديدين وأن تتوقف المحاولات المستميتة التي يقوم بها د. يحيي الجمل وأشياعه للالتفاف علي إرادة الشعب.. والتي تتخذ من الإخوان فزاعة وشماعة للتهرب من الاستحقاقات التي فرضتها ارادة الشعب في الاستفتاء. يقولون إن الاستفتاء ليس قرآنا وهذا حق.. ولكن هل محاولات الالتفاف علي الاستفتاء باسم النخبة هي القرآن البديل؟! لقد ركبنا طائرة الوطن معاً.. وطلبنا من القائد في أول استفتاء أن يسير بنا نحو الشرق.. وبعد أن قطعنا شوطاً طويلاً في المسافة تراجع بعض من الركاب وقالوا سر بنا نحو الغرب.. والطائرة تسير في اتجاهها ونحن نتقاتل في داخلها.. والقائد في حيرة.. ولو ظللنا هكذا سوف تهبط الطائرة هبوطاً اضطرارياً في النهاية.. وهو هبوط ليس مأمون العواقب. وربما - لا قدر الله - تسقط بنا الطائرة.. فلا نصل إلي الشرق ولا إلي الغرب.. وتنتهي الرحلة قبل أن تبدأ.. فهل هذا هو المطلوب؟!