سجل الأزهر الشريف هدفين جيدين الأسبوع الماضي سوف يحسبان له أمام الله وأمام التاريخ.. وسيذكران له في سجل الوطن الذي يموج بالفتن ويئن من التلاعب بالدين وبعقول الناس. الهدف الأول كان إعلان البراءة من تكفير أي مسلم ينطق بالشهادتين حتي ولو كان عمله خبيثاً.. وحتي لو كان منتمياً إلي الجماعات التكفيرية التي درجت علي تكفير المسلمين وفق هواها.. والهدف الثاني كان إعلان البراءة من الفتاوي الشاذة للدكتور سعد الدين الهلالي التي وصفها بيان الأزهر بالضالة المضلة.. وأبرزها قوله إن المسلم من سالم الناس ولو قال لا إله إلا الله فقط ولم يشهد بأن محمدا رسول الله. كلا الهدفين كما تري لايقل أهمية عن الآخر.. ولكل منهما قصة ترتبط بالمناخ الملتبس الذي نعيشه.. والذي حار فيه أناس كثيرون مما استدعي من الأزهر أن يقول كلمته. وكان قد نسب إلي أحد القيادات الدينية الأفريقية المشاركة في مؤتمر الأزهر الأخير عن الإرهاب أنه رمي تنظيم داعش بالكفر للجرائم الفظيعة التي يرتكبها في حق المسلمين وغيرهم.. وبسرعة التقطت كلمة التكفير من لسان الرجل لتملأ الفضاء الإعلامي والاليكتروني رغم أنه نفي التهمة وأصدر بيانا توضيحيا لتأكيد وجهة نظرة البعيدة تماما عن استخدام سلاح التكفير.. لكن السهم كان قد انطلق واتهم الأزهر بعقد مؤتمر لتكفير التكفيريين فتساوي معهم وحاربهم بنفس سلاحهم المرفوض دينياً. لم يقف الأزهر صامتاً.. فأصدر بياناً تاريخيا نفي فيه إصدار أي فتوي بتكفير داعش أو أي جماعة تكفيرية أخري.. وقال إنه لا يعتبر أنصار داعش كفاراً طالما يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله.. فالتكفير لا يقابل بالتكفير مثلما حدث مع الخوارج وتكفيرهم للمسلمين.. وبهذا البيان أخرج الأزهر نفسه من دوامة التكفير الجهنمية التي يقع فيها الكثيرون هذه الأيام.. كل فريق يكفر الآخر لأسباب سياسية أو مذهبية.. أو اعتراضاً يرتكبها هذا أو ذاك باسم الإسلام.. مع إن الإسلام يرفض تكفير المسلم بفعله أو بذنوبه.. ويشترط لتكفيره إقراراً واعترافاً ثابتاً منه بالكفر أو بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. ثم يستتاب لثلاثة أيام قبل أن يحكم عليه بأنه كافر أو مرتد. المسألة ليست سهلة.. ولو فتح الأزهر الباب لتكفير المعارضين والتكفيريين لاستباح الدماء وفتح أبواب الفتن علي مصاريعها.. خصوصاً أن المجتمعات حاليا لديها جاهزية لهذا الأمر بسبب الاستقطاب والتقلبات السريعة التي نعيشها والتي صنعت جبالاً من الاتهامات المتبادلة. نعم.. ندين جرائم الإرهاب والتعذيب وكل عمل خبيث وقول خبيث.. لكن التكفير قضية أخري يجب الحذر منها ولو كان ضد داعش والجماعات التكفيرية.. وإلا صار الكل سواء.. وصرنا جميعا تكفيريين. أما البيان الثاني للأزهر فكان رفضاً لفتاوي الدكتور سعد الدين الهلالي التي تحمل كثيراً من البدع والمبالغات غير الموفقة.. ومنها فتواه بأن المسلم من سالم الناس وشهد بالوحدانية لله ولو لم يشهد بنبوة محمد.. والغريب أن الهلالي يدعي أنه بهذه الفتاوي الضالة يحارب التطرف والإرهاب ولا يدري أن التطرف والإرهاب لا ينمو ولا يقوي إلا علي هذه الفتاوي الشاذة وأمثالها مما يمكن أن نسميه بالنفاق الديني. ومن ثم فإن كلمة الأزهر كانت ضرورية وتاريخية وفاصلة لقطع الطريق علي مثيري الفتن.