الدكتور محمد أبو ليلة رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر دائما ما يفرض نفسه علي الساحة خاصة إذا كانت هناك أحداث تتعلق بعودة العلاقات بين الفاتيكان والأزهر نظرا لكونه أحد العلماء المنتدبين من الأزهر لإجراء حوارات مع الغرب وأمريكا لبيان سماحة الدين الحنيف وتصحيح الصورة المغلوطة عنه في مناهجهم الدراسية. التقينا د. أبو ليلة وأجرينا معه حوارا يتضمن رأيه في عودة العلاقة مع الفاتيكان بعد توقف دام سنوات بالإضافة إلي رأيه في بعض القضايا الأخري التي تشغل بال العالم الإسلامي هذه الأيام .. وهذا نص الحوار: * ما رأيك في مبادرة الأزهر بعقد مؤتمر عالمي لمواجهة الإرهاب والتطرف والذي انتهت فعالياته أمس وهل تتوقع أن تنفذ توصيات هذا المؤتمر أم تظل حبيسة الأدراج كسابقتها ؟. ** عقد هذا المؤتمر شيء طيب ونرحب به وندعو إليه دائما ونتمني أن يحقق نجاحا داخليا وخارجيا لأنه يتفق مع رسالة الأزهر العالمية .. فخريجو الأزهر ينتشرون في قارات العالم سواء كانوا ممثلين في المراكز الإسلامية هناك أو الجاليات الأزهرية التي تدرس في آسيا وغيرها .. ونتمني أن ينجح المؤتمر في تجميع القوي الدينية والقيادات العالمية بما يخدم مصر والإنسانية كلها لمحاربة العنف والتطرف وعلي قادة العالم تنفيذ توصيات المؤتمر حتي نقضي علي الإرهاب بجميع أشكاله السلوكية والروتينية وكل ما يتعلق بالتصرفات الخاطئة. * وما رأيك في إعادة المياه لمجاريها بين الأزهر والفاتيكان؟ ** الإسلام علي علاقة بكل زعماء الأديان في الداخل والخارج بدليل أنه كانت هناك لجنة مشكلة من الأزهر للحوار مع الفاتيكان والمؤسسات الأوروبية الدينية وكنت واحدا منها ومعي د. علي جمعة قبل أن يكون مفتيا وممثلين من رابطة العالم الإسلامي وآل البيت في الأردن ورغم أن العلاقة بين الأزهر والفاتيكان ضعيفة وتتحرك ببطء وفي خط متعرج إلا أنها مفيدة .. علي الأقل تتلاقي الأطراف وتتفاهم ولكن وجهة نظر الفاتيكان في بعض الأمور الدينية تسببت في انقطاع العلاقة فترة فمثلا اتفاقية الأسرة رغم أن وجهتي النظر بيننا وبينهم متفقة حول بنودها وطلبنا من الفاتيكان إصدار بيان مشترك إلا أنهم رفضوا تماما وهذا يدل علي أنهم يسيرون بخطة سياسية محددة عكس الإسلام الذي ما يبحث عن صالح الإنسان سواء كان مسلما أو مسيحيا أو من أي ديانة أخري .. وبالتالي توقفت اللجنة عن نشاطها ولم تعد توجد ورقة واحدة أو تقرير واحد في مشيخة الأزهر عن هذا الموضوع. * وكيف تري صلاة بابا الفاتيكان في الجامع الأزرق بتركيا مؤخرا وتصريحاته حول الإسلام؟. ** صلاة بابا الفاتيكان في الجامع الأزرق بتركيا منذ أيام خطوة للأمام وتصريحاته عن الإسلام مشجعة عكس البابا السابق الذي أدلي بأكثر من تصريح مسئ للدين الحنيف .. فعندما تولي البابا الحالي فرنسيس منصبه سألوني عن رأيي في الإذاعة البريطانية في الباباوين السابق والحالي قلت لهم ليس من شأني التحدث عن السابق بندكت لأن الجميع يعرف أنه أساء للإسلام وخرج بفضيحة والمسلمون لا يعنيهم هذا الأمر أما ما يخص الكنيسة فهذا شأنهم .. عكس الحالي الذي استوعب الدرس من سابقه ويحاول فتح صفحة جديدة مع المسلمين لأنه إذا نجحت العلاقة والتعاون بينهما سوف يسود السلام العالم أجمع لأنهما أكبر مؤسستين دينيتين في العالم خاصة أن الإساءة للمسلمين ليست دينية بل إساءة عنصرية في الأساس .. فالدين لله وكما يقول القرآن "لكم دينكم ولي دين" فلا هو يحاول تنصير الشعوب الإسلامية ولا نحن نتدخل في شئونهم الداخلية .. لذلك كون البابا الحالي يصلي في مسجد الذي هو رمز للمسلمين فهو لبنة جديدة توضع في العلاقة بين الطرفين. الحوار مع الآخر * بعد كل هذا .. هل تعتقد أن هناك جدوي من الحوار مع الآخر؟. ** بالتأكيد لأن الحوار هو وسيلة الإسلام للدعوة إلي الله سبحانه وتعالي والتعريف بالدين الحنيف حيث قال تعالي ""ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" أي أن الدعوة إلي الله تعالي تكون عن طريق الحوار البناء والتواصل الفكري والمعرفي وتبادل الآراء الذي يؤدي إلي التفاهم بين بني البشر في جميع مجالات الحياة وبالتالي التقارب بين الشعوب والإصلاح بينها لاسيما إذا اتصف هذا الحوار بالمناظرة والمفاوضة والرغبة في التواصل لتحقيق الخير للبشرية والبعد عن الصدام والتصارع. ولقد أعطانا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم المثال النموذجي للحوار الناجح حيث تحاور مع الكفار في مكة ومع اليهود في المدينة ومع نصاري نجران أي أن الحوار بالنسبة للمسلمين وسيلة أساسية من وسائل الدعوة. * من وجهة نظرك ما هي الأسباب التي جعلت الغرب يكره الإسلام والمسلمين؟. ** للأسف يري الغرب أن الإسلام سبب تأخر المسلمين لأنه دين جامد أنزل في بيئة محدودة هي الجزيرة العربية ووقت محدود وقت مبعث النبي صلي الله عليه وسلم ولا يصلح للعصر الحديث .. كما يرون أن المسلم إرهابي والمرأة متأخرة حبيسة المنزل وتري ذلك جليا في الكتب والكتابات الغربية والأمريكية بل والمناهج الدراسية .. من هنا خاطبنا المسئولين عن التربية في بعض الدول الغربية مثل بريطانيا وألمانيا وأمريكا وفرنسا عندما كنت مندوبا عن الأزهر للحوار مع الآخر ووعدونا بأنهم سيعملون علي تغيير هذه الصورة المغلوطة في المناهج الدراسية لما لها من تأثير سلبي علي العلاقة بين طلاب الغرب والمسلمين حيث إن مثل هذه الصورة السلبية تسبب العداء بين الطرفين. * وما هي الأفكار المغلوطة التي كانت تحتويها مناهجهم الدراسية؟. ** يصورون خطأ بأن مناهج التعليم في الإسلام تفرش العداء للآخر رغم أن إعلامهم المضلل هو من يفعل ذلك بدليل رسم الصورة السلبية للمسلم في الأفلام والكارتون واتخاذه مادة للسخرية .. والمحزن أننا اكتشفنا مقارنة مجحفة في أحد المناهج بين امرأتين إحداهما إسرائيلية تقف في معمل وتجري بعض التجارب والأخري لمسلمة مغطاة بالكامل تقف حائرة في عالم لا تعرفه وبالتالي عندما يقارن الطالب بين المرأتين سوف ينطبع في ذهنه أن الإسلام دين تأخر يظلم المرأة ويقيدها ويبعدها عن الساحة بينما المرأة الغربية أو الإسرائيلية نموذجا متقدما وعالمة وجديرة بالحياة .. وهذه بالطبع حقائق زائفة الغرض منها تشويه صورة الإسلام لأن الدين الحنيف أنصف المرأة ومنحها حقوقها كاملة قبل الغرب بمئات السنين ومنحها حرية التعلم والميراث والتاريخ الإسلامي حافل بنماذج نسائية مشرفة كان لهن تأثيرهن علي مجري التاريخ. وأيضا مما أخذناه عليهم في مناهجهم إسقاطهم متعمدين الفترة الذهبية لتقدم المسلمين والتي ارتكزت عليها الحضارة الغربية الأوروبية ويروجون إلي أن حضارتهم قامت علي التراث الإغريقي واليهودي ويهملون دور المسلمين عندما كانوا بالأندلس في تقدم الغرب ونهضته. مؤتمر للمذاهب الإسلامية * لماذا لا يتم عقد مؤتمر كبير مثل مؤتمر الأزهر الذي انتهي أمس يجمع بين قادة وعلماء المذاهب الإسلامية حتي يتم التقارب بينهم بدلا من التعصب الذي وصل إلي حد الاقتتال؟. ** اقتراح طيب نتمني أن يتم تفعيله ويتبني الأزهر مثل عقد هذا المؤتمر الذي لا يقل أهمية عن مؤتمر مكافحة الإرهاب والتطرف فالمسلمون في أشد الحاجة للتعاون والتكاتف لأن ضعفهم وتشرذمهم سبب كل المصائب التي تحل علي العالم الإسلامي .. فالفرقة "حرقة" وإذا لم يتوحد المسلمون سريعا وينبذوا التعصب والتطرف سوف يكونون أول من يتم الفتك بهم ولن يجدوا أنفسهم علي الساحة والدليل ما يحدث الآن من تعصب وجهل لبعض الطوائف والجماعات التي تحسب علي الإسلام زورا وبهتانا وهو منها برئ. * ينادي البعض بإلغاء الأحزاب الدينية خاصة قبل الانتخابات البرلمانية حتي لا يستغلها أصحابها في التأثير علي الناخبين .. فهل تؤيد ذلك؟. ** إطلاقا .. هذه دعوة حق يراد بها باطل فإلغاء الأحزاب الدينية يكون بمثابة إعلان الدولة العلمانية .. ونحن نرفض ذلك تماما ولا نتمناه حتي نلقي الله سبحانه وتعالي فالإسلام دين ودولة وبالتالي من الهراء أن نفصل كليهما عن الآخر فالدين بلا سياسة تطرف والسياسة بلا دين إرهاب .. وإذا تربي القادة السياسيون تربية دينية سوف يحكمون بما يرضي به الله جل شأنه الذي يريد الخير لعباده.