التعصب ليس مقصوراً علي مجتمعاتنا العربية والإسلامية.. لكن يبدو أن وسائل الإعلام المهيمنة علي هذا العالم لا تري إلا بعين واحدة.. لا تري إلا تعصب داعش ومثيلاتها.. بينما هناك جماعات متعصبة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية التي تدعي التحضر وقبول الآخر تبث سموم التعصب مثل داعش لكن الأضواء لا تسلط عليها ليلاً ونهاراً. وتقتضي الحقيقة أن نذكر بأن موجات التعصب الأعمي التي تظهر أحياناً في بلادنا ترجع في الغالب لأسباب سياسية وليس لأسباب دينية أو ثقافية وحضارية.. وبعيداً عن جرائم داعش ومثيلاتها فإن العرب والمسلمين يعادون إسرائيل المغتصبة لفلسطين ويحاربونها ولا يعادون اليهودية ويحاربونها.. ويكرهون أمريكا الداعمة والمساندة لإسرائيل ولا يكرهون المسيحية والمسيحيين. وفي الأيام القليلة الماضية صرح البابا فرانسيس الأول بابا الفاتيكان بعد زيارته لتركيا بأنه لا يمكن القبول بوجود شرق أوسط خال من المسيحيين الذين يمارسون عقيدتهم فيه منذ ألفي سنة.. مشدداً علي أن الوضع المريع للمسيحيين يتطلب رداً مناسباً من المجتمع الدولي. وهذا كلام صحيح مائة في المائة.. فالمسيحيون واليهود عاشوا في الشرق الأوسط - بالأصح في العالم العربي والإسلامي - يمارسون عقيدتهم باعتبارهم جزءاً أصيلاً في هذا المجتمع.. بل هم جزء أصيل من الحضارة العربية والإسلامية.. شاركوا في صنعها ونشرها.. ولا يمكن قبول ما يتعرض له بعض الطوائف المسيحية وغير المسيحية في المناطق التي تسيطر عليها داعش في سوريا والعراق.. فهذه جرائم طارئة لا تعبر عن حقيقة التعايش والتسامح طوال ألفي عام أو يزيد. ولكن.. ماذا عن الجانب الآخر.. عن التعصب والاضطهاد والإرهاب الذي يمارس ضد المسلمين في الغرب.. والذي كانت آخر مشاهده الصادمة في مدينة كولونيا الألمانية في مطلع نوفمبر الماضي.. حيث نظم آلاف من النازيين الجدد مظاهرات أطلقوا عليها شعار "هوليجانز ضد السلفيين".. وهوليجانز هم جماعات مشجعي كرة القدم.. وقد اختير هذا الشعار بعناية للتعتيم علي مشاركة اليمين المتطرف والنازيين الجدد في هذه المظاهرات التي ترددت فيها هتافات مثل "ألمانيا للألمان" و"اتركوا بلادنا" و"اليوم يضحون بالخراف والأبقار وغدا يذبحون أبناءنا المسيحيين". وقد لفت الانتباه أنه علي رغم العنف غير المسبوق وحجم الكراهية للأجانب وللمسلمين خاصة والشعارات المخيفة التي حملتها هذه المظاهرات إلا أنها لم تحظ بتغطية إعلامية واسعة.. وتم التركيز فقط علي الإصابات التي لحقت بخمسين من رجال الشرطة.. لكن ردود الفعل الرسمية والإعلامية لم تكن علي مستوي العنف والشغب الذي حدث. هناك فقط بعض الكتابات التي أشارت إلي انتقاد الكراهية التي سيطرت علي المتظاهرين.. ومن هذه الكتابات ما ذكره الكاتب ياكوب أوجشتاين في عموده بموقع شبيجل أونلاين حيث قال: "إنهم ينظمون تظاهراتهم تحت شعار حماية ألمانيا من السلفيين ولكنهم يقصدون كل المسلمين والإسلام.. إن كراهية الإسلام تنتشر في ألمانيا وتضرب بجذورها في الإعلام والسياسة.. والكراهية تولد العنف.. لقد كان هناك 78 اعتداء علي المساجد في ألمانيا خلال العامين الماضيين لم ينتج عنها أي موجة تضامن مع المسلمين أو حتي اهتمام بهذه الاعتداءات.. لذلك فإن ما شهدناه من عنف في كولونيا هو حصاد ما يزرعه دعاة الكراهية المروجون للإسلاموفوبيا في مجتمعنا". هل يمكن أن يضع المجتمع الدولي معايير واحدة ضد الكراهية وضد الاضطهاد والتعصب تطبق علي الجميع؟!