يقف عمرو موسي في الصف الأول بين مرشحي الرئاسة المحتملين.. فهو شخصية مهمة وله حضور شعبي واضح للعيان.. ولأنني لم أكون رأياً بعد في مرشحي المفضل للرئاسة فإنني أقف علي مسافة واحدة من هؤلاء المرشحين جميعاً.. ولذلك عندما أناقش طرحاً خاصاً بعمرو موسي فإنني أناقشه بصفته مواطناً سياسياً وليس بصفته مرشحاً أؤيده أو أعارضه. كان عمرو موسي في ندوة بنادي الجزيرة نشرت الصحف وقائعها أمس.. وكان مما قاله في هذه الندوة ما يلي: * أرفض تمديد الفترة الانتقالية وأدعو إلي تنفيذ الخطوات الديمقراطية دونما تأجيل.. فليس من المصلحة تأجيل العملية الديمقراطية أو الدعوة لتشكيل مجلس رئاسي لأنه مضيعة للوقت. * لابد أن يوضع دستور جديد للبلاد قبل الانتخابات البرلمانية. * الساحة المصرية ليست جاهزة بعد بكل أحزابها وتياراتها وتوجهاتها السياسية للانتخابات البرلمانية لقصر المدة.. ومن ثم يجب تأجيل الانتخابات البرلمانية. * يجب أن تكون الانتخابات البرلمانية لاحقة للدستور. * النظام الرئاسي البرلماني أفضل وليس البرلماني الكامل.. وإذا ما أصبح النظام برلمانياً مطلقاً فإنه سوف يعيد النظر في قرار ترشيحه للرئاسة. لو ضممت هذه النقاط إلي بعضها وأعدت قراءتها بإمعان فسوف تكتشف مثلي أنها تنطوي علي شيء من التناقض.. فالرجل يريد أن تسير العملية الديمقراطية وتنطلق دون تأجيل ودون الدعوة إلي تشكيل مجلس رئاسي.. وانطلاق العملية الديمقراطية يعني في الممارسة السياسية انتخاب سلطة تحكم البلاد.. والسطة المنتخبة لا تبدأ إلا بالبرلمان.. أي بالانتخابات الديمقراطية.. وتلك هي بالضبط خريطة الطريق التي وضعها الاستفتاء الشعبي في 19 مارس. لكن عمرو موسي الذي يريد انطلاق العملية الديمقراطية دون تأجيل يفاجئك بأنه يريد تأجيل الانتخابات البرلمانية لأن الساحة المصرية غير جاهزة وهذا في حد ذاته كلام غير ديمقراطي يجب ألا يخرج من ناشط سياسي وإلا فما الفرق بينه وبين أحمد نظيف الذي كان يردد أن مصر غير جاهزة للديمقراطية.. أو تعبيره الدقيق "عدم جاهزية مصر للانتخابات الحرة النزيهة". ليس هذا فحسب.. وإنما يريد عمرو موسي بأن يوضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية.. في حين أن أبسط القواعد الديمقراطية تقول إن الدستور لابد أن يوضع عبر لجنة أو هيئة أو جمعية منتخبة باعتباره سوف يعكس إرادة وروح وطموح وتطلعات الشعب المصري. ولو أعدنا قراءة طرح عمرو موسي للمرة الثالثة فسوف تكتشف أنه يريد إطلاق العملية الديمقراطية بالترتيب التالي: * انتخاب الرئيس علي وجه السرعة ودون تأجيل. * وضع الدستور بسرعة قبل الانتخابات البرلمانية. * ثم.. وبعد تأجيل طال أم قصر تجري الانتخابات البرلمانية عندما تصدر إشارة من الرئيس الذي جلس علي العرش واطمأن بأن الشعب جاهز للانتخابات. أما إذا كان هناك إصرار علي إقامة نظام برلماني كامل تكون السلطة في يد رئيس الوزراء القادم من حزب الأغلبية المنتخب من الشعب فإن السيد عمرو موسي سيعيد النظر في ترشيحه للانتخابات. أي أن الرجل يريد بكل صراحة أن يكون رئيساً قبل أن يأتي البرلمان.. ثم أن يتم تحت إشرافه وضع الدستور قبل وجود البرلمان وصخب النواب.. وبعد أن يكون الموضع السياسي قد استقر تجري الانتخابات البرلمانية حتي يأتي عليه النواب.. ويخاطبوه ب "السيد الرئيس" أو "الزعيم". ومرة أخري.. هذا كلام غير ديمقراطي.. ويسير في الاتجاه المعاكس لما قاله له الشعب "نعم" في الاستفتاء.. ورسم به خريطة طريقه "برلمان دستور رئيس".. لأن هذا الترتيب يحصننا ضد صناعة الديكتاتور. نحن نخاف من أنفسنا.. من قدرتنا علي صناعة الديكتاتور.. وقابليتنا للاستبداد.. لذلك يجب أن يكون نظامنا برلمانياً لضمان تداول السلطة.. ويا ليت عمرو موسي يقول كما قال البرادعي بأنه يفكر جدياً في أن يأتي رئيساً للوزراء وليس بالضرورة رئيساً للجمهورية. الديمقراطي هو الذي يقول نعم لما قالت به الأغلبية حتي ولو كان ضد رأيه.. وليس الديمقراطي من يسعي ليكون وصياً علي الشعب.