شهدت أوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي انجازات علمية هائلة تمثلت في العديد من الاختراعات والاكتشافات مما أدي إلي اضطراب المعتقدات الدينية لدي الناس الذين بنوا تصوراتهم علي أن العلم ضد الدين.. وأن انتصار العلم يعني هزيمة الدين واندثاره.. بما يسمح للعقل الإنساني في يوم من الأيام بالاستغناء عن مفهوم الإيمان بالله والإيمان بالغيب. صحيح أن العالم الإسلامي لم يشهد مثل هذا الصراع بين الفكر والإيمان.. لكن عددًا من المثقفين والمفكرين المسلمين تأثروا بما يجري في الغرب.. ووضعوا العلم والإلحاد في موقع واحد.. بينما صار الاعتقاد الإيماني عندهم لايتلاءم مع العقل والمنطق والموقف العلمي. ظهرت كتابات عديدة لمفكرين مسلمين كبار يرفضون هذه المقابلة.. ويؤكدون بالحجة الساطعة أن الإسلام يحض علي العلم ولا يناقضه.. والقرآن الكريم يدعو الناس جميعا إلي العلم والتعلم وتبجيل العلماء.. ثم جاء الطبيب الفرنسي موريس بوكاي الذي استهواه البحث في علاقة العلم بالدين. فأفني سنوات عديدة من عمره في دراسة هذه العلاقة دراسة علمية دقيقة وانتهي إلي نفي هذا التعارض الفاضح بين العلم والدين بشكل عام وبين العلم والإسلام بشكل خاص. ووضع موريس بوكاي عدداً من الكتب والمقالات تناول فيها موضوع التوافق بين تعاليم الأديان السماوية والمعارف العلمية .. كان أهمها كتاب "التوراة والقرآن والعلم" الذي صدر عام ..1976 وهو دراسة جامعة تضم التوراة والقرآن الكريم في ضوء المعارف والاكتشافات والاختراعات العلمية الحديثة. وبعد 6 سنوات من صدور هذا الكتاب -أي عام 1982- اعتنق بوكاي الإسلام وأحدث إسلامه ضجة واسعة في الأوساط العلمية والثقافية والدينية علي مستوي أوروبا والعالم.. وفي عام 1995 أصدر كتابه المرجع "القرآن والعلم المعاصر".. الذي وضع فيه تمهيدات لدراسة القرآن الكريم في ضوء المعارف العصرية.. ثم صنف التعليمات القرآنية الأساسية التي تتعلق بهذه المعارف.. واعتمد في هذا المجال علي دراسة الآيات التي تتناول السماوات والأرض والنبات والحيوان وتناسل الإنسان وقصة الخلق.. وانتهي بدراسة لبعض ما قدمه العالم الإسلامي إلي العلم والثقافة.. وعرض لمساوئ ترجمات معاني القرآن المتداولة في اللغة الفرنسية. يؤكد بوكاي في كتابه أن في القرآن الكريم مفاهيم مطابقة لما حققه العلماء بعد نزوله بنحو ألف عام.. فالوحي الإلهي يحمل نداءات متكررة تدعو الإنسان إلي استخدام عقله وقدراته علي التمييز.. وإلي تحليل الظواهر الطبيعية.. وهناك تعليمات واضحة في النص القرآني علي ضرورة تحليل ظواهر الطبيعة في سبيل استخلاص المعطيات والبراهين التي تكشف عن قدرة الله. بالإضافة إلي ذلك فإن القرآن يتضمن آيات تصف بعض مظاهر الطبيعة والكون والكائنات الحية وصفاً علمياً لم يستطع العلماء فهمه إلا في القرن الحالي.. ويقول بوكاي إنه وجد في النص القرآني تصوراً عن خلق الكون يختلف عما ورد في التوراة .. لكنه يتطابق بشكل كامل مع ما توصل إليه العلم الحديث.. وكذلك الحال عن نشأة الخلق وأصل الإنسان. بقي أن تعرف أن موريس بوكاي ولد عام 1920 وأصبح في عام 1952 رئيس قسم الجراحة في جامعة باريس وعضو الزمالة الدولية للجراحين وعضو الجمعية الفرنسية للدراسات المصرية.. وعضو جمعية أهل الأدب في فرنسا.