لا أعلم أين تستقر الآن طائرة الرئيس.. ولا أريد أن أعلم.. بل إنني أدعو الله ألا أراها ثانية لما لها من ذكريات سيئة عليّ وعلي أمثالي من الصحفيين.. وأتمني أن تتخلص منها مصر لتبدأ بطائرة جديدة أكثر تواضعاً مع عصر جديد يكون فيه الرئيس وحاشيته أكثر قرباً من المواطنين. كانت طائرة الرئيس وبالاً حقيقياً علينا نحن الصحفيين. فكل من ركبها مرة وحظي برؤية الطلعة البهية للسيد الرئيس عاد إلينا شخصاً آخر.. قد انتفخت أوداجه وتبدلت ملامحه.. وصار يتحدث عن الأسرار التي بثها إليه الرئيس.. حتي لو جاءت جلسته في الصف الأخير علي الطائرة الملعونة. نعم.. كما نسميها بالطائرة الملعونة لأنها تفتن زملاء المهنة وتغيرهم.. ويكفي أن يركبها أحدهم مرة واحدة حتي يتصور أنه قد ارتفع درجات فوق البشر.. ولم يعد قادراً علي النزول إلي الأرض. والأهم من ذلك أن هذه الطائرة الملعونة تمنح من يستقلها حصانة ضد أية مساءلة أو مؤاخذة.. فمن دخل الطائرة كمن دخل الحظيرة.. ومن ذا الذي يستطيع أن يسائل من ركب طائرة الرئيس وتحدث مع الرئيس وأدرك أسراره وكتب عن حوار الرئيس ورؤية الرئيس. رحلة واحدة مع السيد الرئيس علي الطائرة الملعونة أسقطت أقلاماً كانت جيدة.. وشوهت أفكاراً كانت واعدة.. وضيعت كثيرين إلا من رحم ربي. كل من اقترب من الطائرة الملعونة تصور أنه صار من دهاقنة النظام وسدنة الحكم.. وليس هناك أسوأ من قلم يتحول من الفكر إلي النفاق السياسي. في ذكري الأربعين لوفاة عميد الأدب العربي د. طه حسين ألقي الشاعر العربي الكبير نزار قباني قصيدة رائعة في رثائه قال فيها ضمن ما قال: عد إلينا فإن عصرك عصر ذهبي ونحن عصر ثاني سقط الفكر في النفاق السياسي وصار الأديب كالبهلوان يتعاطي التبخير يحترف الرقص ويدعو بالنصر للسلطان ولأننا لا نريد أن نعود إلي عصر النفاق السياسي فإننا نرجو أن نتخلص من تركيبة الطائرة الملعونة.. وأن تكون الطائرة لرئيس ليست له سلطات إلهية.. حتي لا يتحول كل من يركبها معه إلي دهاقنة ودراويش. وما يقال عن الطائرة الملعونة يقال عن المجلس المشئوم المسمي بمجلس الشوري الذي كان مخصصاً للمحظوظين والمحاسيب والمرضي عنهم.. لمنحهم الحصانة والنفوذ السياسي.. ومنحهم البدلات والسفريات والوجاهة الاجتماعية. لم يقدم هذا المجلس شيئاً ذا قيمة لمصر.. بالعكس فإن التجربة أكدت أنه كان أحد عوامل الفساد السياسي والغواية.. حيث استعمله النظام السابق جزرة لكل من يريد أن يسكت صوته. والغريب في الأمر أن الحوارات التي أجراها المجلس الأعلي للقوات المسلحة وأيضاً الحوارات التي أجراها كل من د. يحيي الجمل ود. عبدالعزيز حجازي.. وحتي الحوارات التي تجريها الصحف مع الشخصيات العامة.. كلها تطالب بإلغاء مجلس الشوري.. وتؤكد أنه زائد عن الحاجة.. وأن مجلس الشعب يكفي لأداء المهمة التشريعية والرقابية في المرحلة القادمة.. ومع ذلك لم تتخذ إجراءات جادة في هذا السبيل. الأيام تمر سريعة.. ونقترب من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر القادم.. والصراع يدور حول الدستور أولاً أم الانتخابات.. ولم نفكر جدياً في كيفية التعامل مع مجلس الشوري. وفقاً للوضع الدستوري الحالي فإن الانتخابات القادمة سوف تجري لمجلسي الشعب والشوري معاً متزامنين.. أو في توقيتين متقاربين.. والسؤال الآن: هل لدي الحكومة أو لدي المجلس الأعلي للقوات المسلحة خطط لإجراء انتخابات لمجلس الشوري؟! وإذا كانت كل الآراء تطالب إلغاء هذا الكيان الهلامي الذي استنزف أموال الشعب فيما لا يفيد فلماذا الإبقاء عليه في مرحلة نحن في أمس الحاجة خلالها إلي ممارسة سياسية حقيقية.. كما اننا في أمس الحاجة إلي كل مليم لتوجيهه فيما ينفع الناس. لابد من إغلاق الأبواب الخلفية ومؤسسات الالتفاف علي إرادة الجماهير.. فلا مجال للمجاملات والمكافآت التي تمنح من أجل النفاق السياسي ليس إلا. إشارات: * قال الأستاذ هيكل: "مبارك أبلغني أن الزهق قد يدفعه إلي تسليم مصر للقوات المسلحة". والنبي يا أستاذ كفاية.. كل الأسرار طلعت فشنك. * لو كانت مبادرة "المليون لحية قبل رمضان" صادقة فإننا أمام مرحلة جديدة من التخريف السلفي بعد مرحلة التخويف. * نجح رجال الأعمال في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية والأرباح التصاعدية. الحرية لم تكتمل فعلاً.. لأن رجال الأعمال يستخدمون ضدنا فزاعة الاستثمار.. لا تنسوا أن شعار الثورة كان: حرية.. تغيير.. عدالة اجتماعية.. وحتي الآن مازلنا نناضل من أجل الحرية.. فما بالك بالتغيير والعدالة الاجتماعية. * لست مع الحرمان السياسي لقيادات الوطني.. ولست مع فكرة العزل.. لأنها ستدخلنا في دوامة محاكم التفتيش.. ويكفي أن تطبق العقوبة الجنائية علي من يثبت أنه ارتكب تزييفا أو تزويرا أو فساداً. تعالوا ننظر إلي الأمام بدلاً من أن نظل ندور في دوامة الماضي. * أول يوم لامتحان الثانوية في ظل الثورة.. اللهم اجعله يوم خير وبركة.. ويمر في سلام.. حتي نثبت أننا شعب جدير بالحرية والكرامة والأمن.