أتكيء إلي جذع النخلة لتلتقي عيناي واشارات "السيمافور" الحمراء تعلن عن قدوم قطار مسرع كعادته.. يتجه إلي الجنوب. وكأنه علي موعد مع حبيب.. أنهض أتلفت حولي في بطء.. لا أجد في الطريق إلاي وظلالا تعانقت مع ظلم الليل.. آتية من جهة المزلقان القديم.. تحمل لقاءات الذكريات تجثم علي تراودني اشتهاءات المساء بلا فائدة ليتها والحقيقة بمتزجان في عيني. فلا أمسي وحيدا. أستدير محزونا: لأهرب من مشهد تمنيته في ركن الزوال من الذاكرة لكن الايماءات الآتية من اشارات "السيمافور" لازالت تشعل حنقي علي كل القطارات القادمة من الشمال. فأحدق في عجلاتها اللامعة. وقد غطتها الدماء.. صرخة واحدة تجاوزت بي عمرا كالحلم إلي بئر يناوئها الألم. وذلك الغراب الذي يرابض فوق النخلة يزعق كلما زعق قطار يمر. .. أحبك.. قالتها قبلها. ثم احتوتني بدفء يقودني إلي واحة حلم.. أتأملها ثم اضمها إلي وغصة تحرقني.. تألمت من قسوة ذراعي فتأوهت لكنها راحت تدفن وجهها المضيء في صدري.. تتنفس مسامي وتستنشق عشقاً يحوطه الخوف وحروف تمددت علي طاولة الفناء. أعطيتها ظهري أواري دمعة طالت وجنتي وسعادة حيري بداخلي.. تركتني وقامت تتقافز علي القضبان غير عابئة باشارات "السيمافور" الحمر وزعقات القطار المسافرة إلي هناك وضحكة طفولية أغلقت صفحة عمر. لتميتني. أسير عاقدا يدي خلف ظهري. أتوسد قضبان السكة الحديد. وألتفت إلي اشارات "السيمافور" التي راحت تدق وتعلن عدم قدوم القطار الأخير..!