سأل الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش: هل أصبح نجيب محفوظ عقبة في الرواية العربية. بمعني صعوبة محاولات الأجيال التالية في تقديم إبداعات تتجاوز محاولات محفوظ.. ورغم مضي سنوات رحل خلالها عن دنيانا نجيب محفوظ ورجاء النقاش. فإن السؤال لايزال قائماً ويثار في العديد من الندوات واللقاءات الأدبية. يتساءل د. أحمد شمس الدين الحجاجي: هل وقف فيكتور هوجو أو تشارلز ديكنز أو شكسبير أو بلزاك عقبة أمام الأدباء. سواء في ا نجلترا أو فرنسا.. نحن نقدر نجيب محفوظ. ونقدر دوره وإبداعه. ولا يعني هذا أن يتحول إلي عقبة.. لقد تخطي هو نفسه بنفسه. قدم ما هو جديد. فكان إبداعه لكل مرحلة له لونه. مرحلة الحارة غير مرحلة ميرامار والشحاذ والطريق والحرافيش. المشكلة الآن ان عصرنا ضد الروية نحن نعيش في عصر لا يقرأ أحد الإبداع السردي.. الكل مشغول بالتليفزيون والسيناريوهات والهلس. وهذا أوجد نظاما في الكتابة مختلف تماماً عما كتبه محفوظ. أو من أتوا بعده. وهذه الكتابات لا تبشر بظهور موهبة مثل محفوظ. أو من جاءوا بعده. أعتقد أنه لا لزوم أن ندخل محفوظ فيما نحن فيه الآن من هبوط في مستوي الإبداع.. نحن نعيش أزمة. ومحفوظ ليس سببا في هذه الأزمة. ويرفض د. حسين حمودة تصور أن نجيب محفوظ كان عقبة أمام الأجيال التالية له. بل علي العكس كان إسهامه الإبداعي يمثل عونا لهم. لقد استكشف محفوظ للرواية العربية أرضا مجهولة. لم تكن معروفة ولا ممهدة. ولم يكتف بهذا الاستكشاف. بل استصلح هذه الأرض. وعمل علي تعميرها. وتمهيد السبل منها وإليها وفيها. وهذا كله قدم إمكانات كبيرة لمن كتبوا بعد نجيب محفوظ. كي يستكملوا تعمير هذه الأرض الإبداعية. وكي يستكشفوا مساحات وأبعاداً جديدة لها. إلي جانب هذه الحقيقة. علي مستوي الإبداع. يمكن التفكير في وجهة أخري تتصل بالاهتمام النقدي. وبالإعلام الذي اهتم أغلبه بتجربة نجيب محفوظ. وحتي علي هذا المستوي أتصور أن الكتاب التاليين لنجيب محفوظ قد لقي بعضهم اهتماماً نقدياً وإعلامياً. حتي وإن ظلم آخرون منهم. لكن هذا لا يتعلق بنجيب محفوظ ولا بتجربته. وإنما يتعلق بأسباب أخري محفوظ بريء منها. وعلي أي حال هناك عدد من المبدعين الكبار أتوا بعد محفوظ. واستطاعوا أن يقدموا إسهاماتهم الإبداعية المهمة. التي كانت استكمالا لإسهامات نجيب محفوظ. ويقول الروائي محمد قطب إذا كان رجاء النقاش قد قال إن نجيب محفوظ سيظل عقبة أمام من يأتي بعده. فإن هذه المقولة تتعرض للتفكيك. أو ما يمكن أن نطلق عليه المناقشة والجدل. فلا يوجد في المجال الإنساني ما يطلق عليه عقبة.. فمحفوظ كان حديقة مليئة بالثمار يقطفها المبدعون. ويغرسونها في الحديقة.. هناك أعمال رائعة تتجاوز أعمال محفوظ. ولو نظرنا إلي بعض المبدعين التاليين لمحفوظ في الساحة الإبداعية الآن. هل نستطيع أن نتجاهل ما قدمة محمد جبريل في رباعيته عن الإسكندرية والتي يتجادل فيها مع رباعية داريل.. هل نختلف حول ما قدمه فؤاد قنديل وإبراهيم عبدالمجيد ونبيل عبدالحميد؟.. ما قدموه هو معطيات روائية متميزة. والتيار الإبداعي الروائي ممتد. لكن يمكنني أن أقول إن استكانة وجمود المبدع نفسه هو ما يمكن أن نأخذه علي البعض. يؤكد د. أحمد الخميسي أنه لا أحد يتخطي أحداً. فلا أحد يتخطي مقامات الحريري - مثلا - لأنها كانت حلقة وصل بين الأدب العربي القديم والحديث. بمعني لا يتكرر. وفي العصر الحديث لا يمكن لأحد أن يكرر الدور الذي قدمه توفيق الحكيم في المسرح العربي المصري. وإذا كان المقصود بالعقبة معني أن يتجاوز أحد محفوظ فنياً. فهذا أمر غير حقيقي. لأن الرجل تجاوز نفسه في الروايات الثلاث التي تمثل الأدب الكلاسيكي. أو الرواية الكلاسيكية الأولي. ورواياته الست اللاحقة تجاوزت ما قدمه. وهنا نسأل: هل تجاوز الأدب المصري ما قدمه محفوظ؟ أعتقد أن التعبير خاطئ فإيداع محفوظ لا يمكن أن يمثل عقبة في وجه المبدعين التاليين لمحفوظ. ولكنه جاء عاملا مساعداً للكتاب اللاحقين له.