حقاً لكل جواد كبوة.. ولكل عالم هفوة.. في أواخر السبعينيات عندما كنا طلبة في كلية الإعلام جامعة القاهرة كنا نعشق مادة التحرير الصحفي التي كان يدرسها لنا الاستاذ الكبير جلال الدين الحمامصي صاحب عمود دخان في الهواء بجريدة الأخبار والذي كان يتمتع بأسلوب رائع وكنا نحترم الرجل ونقدره حيث كان يعمق فينا كيفية تحرير الخبر الصحفي وطريقة التأكد من المعلومات والتحذير من الوقوع في خطأ نشر خبر دون التأكد من صدق معلوماته أو مستنداته. ووسط هذا كله فوجئنا بالاستاذ الكبير وقد أصدر كتاباً بعنوان "حوار خلف الأسوار" تضمن معلومة تشير إلي وجود أرصدة مالية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر في بنوك سويسرا.. ولأننا نحب الزعيم ونعرف تاريخه الوطني المشرف ومدي حرصه علي الوطن وأموال الوطن قمنا بثورة وطالبنا الاستاذ الحمامصي بالمستندات التي تؤكد تلك المعلومة وكانت الطامة الكبري عندما اكتشفنا أنه لا يوجد مستند ولا يحزنون وأن المسألة كما قال الرجل جاءت في إطار تسريب الرئيس الراحل أنور السادات لتلك المعلومة إلي الحمامصي للإساءة إلي الزعيم الراحل في إطار خطة تشويه تاريخ جمال عبدالناصر. وللأمانة اعتذر الحمامصي وللأمانة ايضا لم نوافق علي عودة الاستاذ للتدريس بكلية الإعلام فهو لم يطبق المبدأ الذي علمنا إياه بحجة أن الذي سرب له المعلومة رئيس الجمهورية نفسه وهي حجة مرفوضة عندما يتعلق الأمر بالشرف والتاريخ.. وتمر الأيام والسنون ويأتي الاستاذ محمد حسنين هيكل ليشير في حديثه مع الأهرام إلي أن أرصدة الرئيس المخلوع حسني مبارك في الخارج حوالي 9 مليارات دولار وعندما يتم سؤاله في جهاز الكسب غير المشروع يقول إنه استند إلي تقارير منشورة بالخارج ولا يوجد معه مستند يدعم ذلك. عفواً القياس هنا عزيزي القارئ مع الفارق فلا مجال للمقارنة علي الإطلاق بين الزعيم الخالد جمال عبدالناصر والرئيس المخلوع حسني مبارك الأول زعيم وطني لا غبار عليه رغم كل ما يتردد عن مواقفه وتجربته أما الثاني فهو رجل أشاع الفساد في ربوع البلاد ولكن القياس هنا والمقارنة تأتي بين موقفين الأول للحمامصي والثاني لهيكل وهو غياب المستند وهو أمر يتعلق بمبدأ صحفي إذ لا يجوز أن يطلق الصحفي اتهامات بدون وجود مستندات تحت يديه.. ولعل الأمر يكون رسالة للقراء الأعزاء الذين يلوموننا في أحيان كثيرة لأننا لا نكتب عن فلان الحرامي والمرتشي والفاسد ولا يقدرون أن عدم وجود المستند يقف حائلاً أمام هذه الكتابة فالصحفي كالقاضي تماماً لا يحكم بعلمه بل يحتاج إلي المستندات والأدلة. وشكراً