أخيراً.. تنبه المجلس الأعلي للثقافة إلي أن دوره ينبغي ألا يتوقف عند طبع الكتب ونشرها.. وإنما عليه في ظل غياب الحركة النقدية الواعية أن يساهم في لفت الأنظار إلي المبدعين الجادين وأعمالهم التي تعد ثماراً ناضجة لجهود عدة سنوات يقضيها المبدع في إنتاجه. وقد جاءت هذه اللفتة إلي الدور الجديد للمجلس من خلال الندوات غير المنتظمة التي بدأت تؤتي أكلها وتلقي أضواء كاشفة علي الأعمال الإبداعية.. هذه الندوات يشرف عليها د. عماد أبو غازي أمين عام المجلس الأعلي للثقافة وتنظمها أمينة زيدان المشرفة علي إبداعات التفرغ المجلس.كان من هذه الندوات ندوة مهمة ناقشت الجزء الأول من رواية "المشوار العظيم" لمصطفي الأسمر الذي يلزم داره في دمياط منذ سنين. عاكفاً علي الإنتاج القصصي والروائي. وزاهداً في الأضواء والجري وراء المصالح والمنافع. ولذا كان سعيداً جداً وهو في هذه السن 75 سنة ويجلس أمام النقاد يقيمون عمله. ويستجيب لملاحظاتهم حوله. الحكَّاء "المشوار العظيم" الذي قد يكون مشوار الأسمر نفسه. وجد تجاوباً من نخبة من المبدعين والنقاد.. وقد تصدي لمناقشته: محمد قطب ود. مدحت الجيار وعمر شهريار.. وعنه قال محمد قطب: مصطفي الأسمر رجل حكاء. ولا يضاهي منذ أن كتب القصة القصيرة.. وفي هذه الرواية. الشخصيتان الرئيستان: قراوية وميدان. رمز لسعي الإنسان للتخلص من الفقر المدقع. ومجمل أوضاعه الصعبة. ولم يستطع "قراوية" لأن يتخلي عن حلمه الغائب الذي يذكرنا بفكرة المهدي المنتظر.. والسعي وراء الخرافة في هذه الرواية يشير إلي شهوة السرد والقص لدي المبدع. وهما رمز لعدم التحقق. فلا الجني تم العثور عليه. ولا العجوز الخيِّر كذلك. والسياق اللغوي يختلط في الجزءين طبقاً لطبيعة كل شخصية وبيئتها. والحوار طويل أحياناً. لكنه لا يصيب القارئ بملل. * د. مدحت الجيار: الأسمر دائم البحث عن طرق جديدة للكتابة. وهو يقدم سيرته الذاتية بهذه الطريقة البسيطة العذبة. ولا يخجل من شيء حين يسرد. وكثير من الشخصيات فيها شبه كبير من مصطفي الأسمر.. وتري توازيا واضحا بين الأسمر في هذا العمل. وعبدالحكيم قاسم في "أيام الإنسان السبعة".. وقد حشد في عمله هذا كثيرا من القصائد وأبيات الشعر. بشكل مبالغ فيه. * عمر شهريار: الأسماء التي أطلقها علي شخوصه الروائية. نابعة من بنية المكان وتركيبته. وتشكيله لسمات المكان وملامحه يختلف من جزء لآخر.. ولدي الكاتب تناص مع الفلكلور والتراث الشعبي. وكذلك التراث الديني. في الجزء الخاص بشخصية "ميدان".. وقد صاغ عمله من مجموعة من اللوحات السردية. ولم ينشغل كثيرا بتنامي البناء الدرامي.. والفكرة المحورية للرواية مدهشة: شخص يظهر كل يوم في مكان مختلف. وبطريقة مختلفة.. والعمل بهذه الطريقة أقرب إلي الرواية البحثية أو المعرفية لاطلاع المتلقي علي عوالم هذه الأمكنة: الغابة. الصحراء. القرية. المدينة. البحر.. وكان يمكن تكثيف هذه الأجزاء لتكون فصولاً فقط في رواية. مع ضرورة زيادة السرد عن الحوار لنري ملامح الشخصيات من الداخل. وضمن مجموعة من المداخلات طرح نبيل عبدالحميد هذا التساؤل: ما المانع في أن يشكِّل المبدع سيرته الذاتية في قالب الرواية؟! وذكرت أمينة زيدان الرواية اعتنت بالحوار. بدلا من السرد. وهو يقوم بوظيفة التداعي لاستقاء المعرفة حول الشخصيات وأجوائها. علي كل الموائد!! وفي ندوة الجيل الجديد التي ناقشت المجموعة القصصية "نزيف" لابتسام الدمشاوي. بدا الدكتور سيد البحراوي صريحا جدا في إدانته للواقع النقدي المتردي. وانحرافات النقاد!! قال: النقاد تحولوا إلي أكيلة علي كل الموائد. وباحثين عن المال حيثما كان. ومتجاهلين للمبدعين الجدد المجيدين المنتشرين في كل أنحاء مصر. وأنا مذهول لكثرة المبدعين وجودتهم. وعدم الالتفات إليهم. ولذا فأنا سعيد بندوة جماعة الجيل الجديد. وهذا الدور الذي تحمله علي عاتقها في إنصاف المجيدين من كل الأجيال والتيارات.. وقد تابعت الكاتبة ابتسام الدمشاوي منذ مجموعتها الأولي. وأري اننا أمام فنانة حقيقية. قادرة علي التقاط الزوايا الحادة.. والفنان يري في الشيء نفسه ما لا يراه الآخرون. ويستطيع تجسيد هذه اللقطات بلغة قادرة علي التوصيل والتجسيد لرسالته التي يريدها كمبدع. وأهم خاصية في القصة القصيرة جداً هي البناء المحكم المغلق. وبعض الناس يزعم ان القصة القصيرة جداً سهلة. وأية لقطة تصلح لها. وهذا كلام غير صحيح. لأنها شديدة الصعوبة. وقد لا تأخذ وقتا طويلا لانجازها. لكنها تحتاج إلي إجهاد فني ونفسي كبير. في القصة القصيرة جداً. أصر علي فكرة "الإغلاق" وهي تختلف عن "الانغلاق". فإذا لم يغلق النص فهو لم يكتمل. وبالتالي فلن يصل إلي القارئ.. وأبطال "ابتسام" جميعا مأزومون. سواء أكانوا فقراء أم أغنياء.. انها أزمة بعيدة المدي. وربما تتجاوز حدود القصة القصيرة. وربما تبدو بغير حل. شارك في مناقشة المجموعة القصصية صلاح معاطي ود. عزيزة الصيفي وهالة فهمي وأسامة قرمان وهشام العربي ود. عطيات أبو العينين.