توريث الوظائف بمختلف درجاتها حكاية قديمة متكررة وتشغل الرأي العام حتي الآن لأن تنفيذ هذه السياسة ضد مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق. يقول المؤرخون انه في بداية عهد محمد علي باشا كان يتم تعيين الموظف بناء علي أمر عالي من الباشا.. وكان هذا الأمر يتضمن قيمة الأجر الذي يحصل عليه الموظف ومدي حقه في توريث الوظيفة لابنه. وعندما كبر حجم العمل وزاد عدد الموظفين.. قرر محمد علي ان يكون هو صاحب الولاية في تعيين كبار الموظفين أما الوظائف الأخري المتوسطة والصغري فقد جعل أمر التعيين فيها إلي الأجهزة الإدارية في كل الأقاليم في إطار تطبيق اللامركزية في التوظيف.. ووضعت الدولة شرطاً جوهرياً بالنسبة للوظائف المالية فمثلاً كان تعيين الصراف يلزم له وجود ضامن من عمد ومشايخ الريف أو الناحية. وكذلك بالنسبة لأمناء المسئولين عن شون الغلال.. وعلي هذا كان هناك معايير لاختيار الموظفين وكان أهم معيار ان يكون المتقدم للوظيفة شاباً وقادراًعلي الكتابة بسرعة ومتفهماً لطبيعة العمل المتقدم إليه. ولم يكن يلتفت إلي أي وساطة لشغل الوظيفة.. ولكن كان يؤخذ في الاعتبار رغبة الموظف في توريث ابنه لوظيفته عندما يتركها.. وكانت هذه العادة قديمة وموجودة في عصور سابقة لعصر محمد علي - وقد رأي الوالي انه لا مانع من استمرار هذه العادة وتوريث الابن للعمل الذي كان يقوم به والده المتوفي بشرط ان يكون الابن عارفاً وفاهماً لهذا العمل كشرط للالتحاق بوظيفة والده. والغريب ان فيما يختص بالعلاقة التي تربط الدولة بموظفيها من رعايا الدولة كانت لا يحرر فيها عقد بين الطرفين لبيان الحقوق والواجبات.. لأن القاعدة السائدة هي ان للموظف حقوقاً في المرتب والاجازة وعليه واجبات ملزم باتمامها بكل دقة ومهارة.. أما الموظفون الأجانب العاملون في الجهاز الإداري فقد حررت الدولة لهم عقود عمل يبين فيها الواجبات والاجازات ومواعيد الترقيات وغيرها كما انه كان يجوز لهم توريث ابنائهم للوظائف التي شغلوها.. وقد اهتم محمد علي باشا شخصياً بتوريث أنجاله وأحفاده حكم مصر.. وسعي من أجل ذلك سعياً حثيثاً لدي الباب العالي حتي استطاع ان يورث الحكم لانجاله وأحفاده كذلك انفق الخديو إسماعيل أموالاً طائلة كعطايا وهدايا للباب العالي لكي يرث انجاله ومن بعدهم حكم مصر. هذا بالنسبة للحكم.. كذلك بالنسبة للوظائف العادية كان أصحابها يبذلون جهوداً لتوريثها لانجالهم واستمرت هذه العادة حتي العصر الحديث.. ففي مجالات متعددة نجد الآباء الذين يشغلون مناصب عليا يفعلون المستحيل لكي يعمل ابناؤهم في نفس وظائفهم.. وكانت الجهات المسئولة تستجيب لطلباتهم وتعيين ابنائهم بصرف النظر عن الكفاءة أو التقدير العام الذي تخرج به في الجامعة بل ان الأمر تطور إلي الوظائف الصغيرة.. فاشترطت بعض الجهات استقالة الموظف أو الإقالة للمعاش المبكر لكي يمكن تعيين ابنه في وظيفته. والآن في إطار الوعود الانتخابية لرئاسة الجمهورية التي تجري حالياً ظهر الوعد بمنع توريث الوظائف واعتبار الكفاءة هي المعيار الوحيد لشغل وظائف الأباء.