تربط الأجداد بالأحفاد علاقة خاصة تتميز بالألفة والانسجام والحب المتبادل والخالص بينهما والمثل الشعبي يؤكد علي هذا التناغم حيث يقال "أعز الولد.. ولد الولد" وهو ما يجعل بعض الآباء يشعرون بالقلق والخوف من مدي الترابط بهذه العلاقة التي ينجم عنها التدليل الزائد ويفسد تربية الآباء لأبنائهم!! والسؤال الآن كيف يمكن الحفاظ علي علاقة سليمة وقوية بين الأبناء والأجداد دون أن يؤثر ذلك سلباً علي طريقة تربيتهم؟ * طرحنا هذا السؤال علي علماء النفس والاجتماع فماذا قالوا؟ في البداية تقول الدكتورة سامية خضر - استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: إن تدليل الأجداد لأحفادهم مشكلة كبيرة تواجهها العديد من الأسر المصرية وذلك لأن العلاقة بين الجد والحفيد عادة ما تكون خالية تماماً من العقاب أو توقيع أي نوع من الحرمان أو النهي.. وهذا يدفع ثمنه الآباء لذلك لابد من التواصل في التربية دون النظر إلي الحب الزائد.. ولذلك ومن ثم يجب أن يطلب الولدان من الجد النصيحة للوصول إلي الطريقة الأفضل لحل المشكلة الناجمة عن التدليل الزائد للحفيد أو الأحفاد بصفة عامة وإشعارهما بأنهما جزء من الحل المطلوب دون إلقاء اللوم عليهما أو تحميلهما مسئولية ما يحدث. أشارت إلي أن الدراما التليفزيونية والسينمائية أكدت علي ذلك أن الحفيد دائماً يلجأ إلي الجد أو الجدة لكي يحصل علي ما يتمناه دون النظر إذا كانت هذه المطالب خطأ أو صواباً وتصبح النتيجة الانحلال والعصيان!! تضيف الدكتورة زينب شاهين - استاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية وخبيرة التنمية لشئون قضايا المرأة: أن الأبناء يشعرون بالسعادة البالغة مع الأجداد وذلك لعدم وجود قواعد للتربية.. فتصبح الأمور السلبية والإيجابية علي حد سواء دون فصل بين الخطأ والصواب وعدم الالتزام بالأسس الصحيحة في التعامل وتنعكس كل هذه الأمور علي معطيات حياة الأحفاد.. وتصبح هذه الوصمة تلصق بالآباء في عدم تربية الأحفاد تربية سليمة نتيجة لهذا التدليل ولابد من وضع خطوط عريضة للتربية بين الآباء والأجداد في تربية الأحفاد بحيث يكون هناك تناغم في الآراء وتنعكس في تلك التربية المشتركة. أضافت لابد أن تكون هناك قصص ذات أهمية يقصها الأجداد علي الأحفاد فتلك الثقافة تكون من التاريخ والأساطير.. حتي يصبح لها انعكاس جيد وإيجابي يتعلم منه الاحفاد. تضيف الدكتورة هالة رمضان - أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: أن الأحفاد هم الامتداد الطبيعي للأجداد لما يحصلون منه علي قدر كبير من الحب والعطاء والحنان والرعاية وهذا ما يحتاجه الطفل في السن الصغيرة.. دون النظر إلي معاقبته علي الأفعال الخاطئة أو الحسم تجاه أي موقف خاطئ يصدر من الطفل في حين أن الآباء علي طول الوقت يقومون بمعاقبته علي كل كبيرة وصغيرة وأحياناً يكون هناك إسقاط من الآباء علي الأبناء من التعنيف والضرب نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمرون بها.. فنجد علي الفور اتجاه الأبناء إلي الأجداد.. لأنهم يقومون بإعطاء جرعات الحنان دون توقف. أضافت د. هالة أنه يجب علي الآباء عمل توازن في التربية بتوجيه الأجداد بعدم الإفراط في التدليل لأن ذلك له مساوئ سيئة علي تربية الأبناء والأحفاد. تضيف الدكتورة نهلة أمين - استشاري علم النفس - أن الأحفاد يحتاجون دائماً إلي الهدوء النفسي.. وهذا الإحساس يشعرون به لدي أجدادهم نتيجة العنف والعصبية التي يجدونها مع آبائهم ومحاسبتهم المستمرة لهم في حين أنهم يجدون سعادة غامرة مع الأجداد وهنا يحدث الصدام النفسي للأبناء وفي حالة منع الأحفاد عن الأجداد يشعرون بمرارة العزلة والانطواء ويبرر الآباء هذا المنع من خوفهم عليهم نتيجة التدليل الزائد الذي يؤدي في النهاية إلي عدم السيطرة علي أطفالهم. شددت د. نهلة علي ضرورة وجود حالة من السماح النفسي من قبل الآباء للأجداد ومراعاة أن الجد ينظر من دائرة أنه هو الذي ربي ابنه ليجده بعد ذلك يستقل بنفسه ومن ثم أصبح يجد متعته وملاذه من تربية أحفاده. أشارت إلي أن هذا أمر ليس له حل نهائي ولكن من الممكن التفاهم حوله وتحديد الدور المحدد لكل طرف فالجد هو مصدر الرعاية النفسية والمشورة والتدليل المقنن أما الآباء فهم المنوط بهم مسئولية التربية نظراً لقدرتهم علي مواكبة كل ما هو جديد. مع السيدات التقينا عدداً من السيدات اللاتي رفض التدليل الزائد لأبنائهم من قبل الأجداد لأن ذلك ينعكس بالسلب علي حياتهم. تقول نادية عبدالله - موظفة بالشهر العقاري إن ابنها كان يتردد علي جده من أبيه حتي المرحلة الإعدادية وأثر في تربيته بشكل كبير نتيجة للتدليل الزائد وأصبح لا يقتنع بأي رأي يوجه إليه في حالة ارتكابه للأخطاء.. وأصبح يهددنا من وقت لآخر للذهاب إليه لأنه هو الوحيد الذي ينفذ له كل متطلباته واحتياجاته حتي وإن كانت غير سليمة.. وأصبحت أنا ووالده نعاني من هذه التربية الخاطئة. تضيف فوقية محمد - مدرسة بإحدي المدارس الخاصة - أنها في فترة الثمانينات سافرت إعارة مع زوجها إلي إحدي الدول العربية.. وتركت ابنها وابنتها للجد والجدة نتيجة أنهم كانوا في المرحلة الثانوية وبعد مرور العام الدراسي كانت النتيجة أن ابني رسب في الثانوية العامة والبنت حصلت علي مجموع ضعيف في الشهادة الإعدادية.. لأن الأجداد لم يتسموا بالحزم والشدة تجاه الأحفاد حتي وإن كان علي حساب مستقبلهم.. فقررت العودة إلي مصر لمباشرتهم وزوجي استمر في عمله هناك. تؤكد ماجدة عبدالسلام - موظفة بإحدي شركات القطاع الخاص: أنها لجأت إلي والديها لتربية ابنها الوحيد نتيجة لظروف عملها هي وزوجها.. فكانت بالنسبة لها فرصة ذهبية أن تجد عنصر الأمان وتوفيره لابنها الذي يمكث معها يومي الخميس والجمعة فقط وبقية الأسبوع مع أجداده.. ولكن عانيت من تربيته نتيجة التدليل الزائد.. فأصبح لا يستوعب أي نصيحة بل يرفضها تماماً.. وكان لا يتقبل النقد علي الإطلاق.. حتي أنه طلب مني أنا ووالده ألا يترك جده وجدته علي الإطلاق ويقيم معهما.. فهذه كانت مرحلة صعبة.. وقررت أنا ووالده أن أترك العمل لفترة استمرت عدة سنوات من أجل أن أقوم بتربية ابني تربية سليمة.