ابتداء من يوليو المقبل وبموجب قانون الامتثال الضريبي الأمريكي المعروف باسم "فاتكا" ستتحول المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية في مصر إلي "مخبر" رسمي للإدارة الضريبية الأمريكية ووفقاً لاتفاقيات محددة يتم عقدها بين الطرفين ووفقا للاتفاق تمد المؤسسات المصرية الإدارة الضريبية الأمريكية بتقارير مالية مفصلة عن عملائها من الأمريكيين سواء كانوا أفراداً أو كيانات اقتصادية. وفي حالة الرفض أو تجاهل القانون فالحساب عسير!! أربعة أشهر فقط تفصلنا عن موعد تطبيق قانون "الفاتكا" علي مستوي دول العالم بعد سنوات من الإعداد لصدور القانون وعمل لوائح تنفيذية له ونماذج وأفلام توضيحية للتطبيق وبدأت فكرة "الفاتكا" تختمر في رأس الإدارة الأمريكية في أعقاب الكشف عن تقارير ناقشها الكونجرس حول خسائر الخزانة السنوية والتي تقدر بنحو 100 مليار دولار أمريكي تتمثل في الضرائب التي يتهرب منها الأمريكيون الذين يعملون خارج الحدود. وفي حين طالب البنك المركزي المصري جميع وحدات القطاع المصرفي باتخاذ الاستعدادات الخاصة بتنفيذ القانون وأصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية بدورها تعليمات للشركات المالية غير المصرفية خاصة بتطبيق القانون الأمريكي وأشار شريف سامي رئيس الهيئة إلي أن التعليمات تنص علي ضرورة تضمين قواعد التعرف علي العملاء الجدد لديها بياناً يوضح ما إذا كان العميل أمريكياً من عدمه علي أن يتم تحديث العملاء الحاليين في موعد غايته 15 يونيو المقبل. والحصول من كل عميل أمريكي علي ما يفيد عدم ممانعتهم للإفصاح عن المعلومات المتعلقة بتطبيق قانون "الفاتكا" وفي حال رفض أياً منهم يتم تسجيله بسجل تعده المؤسسة المالية لهذا الغرض تمهيداً لصدور تعليمات بشأنها. وقانون "الفاتكا" يستقطع الضريبة علي الدخل وفقاً للقوانين الأمريكية من الأشخاص الأمريكيين خارج الحدود والشخص الأمريكي وفقاً لهذا القانون وليس المواطن الأمريكي قلباً وقالباً فقط ولكن من حصل علي الإقامة الدائمة "جرين كارد" وأيضاً من لا يحمل الإقامة الدائمة فيكفي أن تكون قد أقمت في أمريكا لمدة 183 في آخر ثلاث سنوات لكي تدفع الضريبة الأمريكية وفي إطار توعية المؤسسات المالية المصرية بكيفية تطبيق قانون "الفاتكا" والالتزامات الخاصة به والعقوبات المترتبة علي تجاهله وعدم العمل به نظم المعهد المالي التابع لهيئة الرقابة المالية المصرية ندوة شارك فيها عدد كبير من العاملين في شركات الوساطة في الأوراق المالية وتكوين وإدارة المحافظ المالية والتأمين والتمويل العقاري وصناديق الاستثمار وأمناء الحفظ وصناديق التأمين الخاصة. بحسب سمير الشاهد وكيل محافظ البنك المركزي والمدير التنفيذي لوحدة مكافحة غسل الأموال فإن قانون الفاتكا يهدف إلي وقف خسائر تقدر بمليارات الدولارات نتيجة قيام بعض الأمريكيين باستخدام وسائط مالية غير أمريكية مثل الاحتفاظ بحسابات خارج البلاد بهدف التهرب مشيراً إلي أن آلية ذلك هي تحديد الأشخاص الأمريكيين المحتفظين بأصول مالية في الخارج تزيد عن 50 ألف دولار أو الكيانات التي يمتلك فيها أمريكيون حصة تزيد عن 10% بحد أدني 250 ألف دولار ويلزم القانون المؤسسات المالية بالتعرف علي هؤلاء الأشخاص وموافاة مصلحة الضرائب الأمريكية بتقارير عنهم واستقطاع أموال من غير الملتزمين منهم ويستثني من ذلك الدخل الذي يخضع للضريبة في الدولة الأجنبية شريطة أن تكون تلك الدولة موقعة لاتفاقية عدم ازدواج ضريبة مع الولاياتالمتحدة. الأشخاص الأمريكيون المخالفون قانون فاتكا معرضون إلي عقوبات تبدأ بغرامة بنحو 10 آلاف دولار وتصل إلي 50 ألفا في حالة استمرار عدم الالتزام وذلك بحسب "الشاهد" أما المؤسسات الأجنبية التي تلتزم بتطبيق القانون ولم تسجل نفسها لدي مصلحة ضرائب الدخل الأمريكية وتبلغ عن عملائها الأمريكان فهي معرضة بدورها لعقوبات تتمثل في استقطاع 30% من عوائد هذه المؤسسات والناتجة عن مصدر أمريكي مثل حصيلة التصرف في الأصول بالبيع أو النقل التي تنتج عوائد أمريكية وكذلك المدفوعات العابرة الأجنبية من مصدر دخل أجنبي والتي تسدد عن طريق مؤسسات أمريكية. حول مدي تعارض القانون الأمريكي وما يفرضه من التزامات مع سرية الحسابات البنكية والتي ينص عليها قانون البنك المركزي المصري قال سمير الشاهد إن السرية ليست مطلقة وأن تطبيق الفاتكا لن يتعارض مع قانون المركزي لأن المؤسسات المالية وغير المالية ستطلب تفويضاً من عملائها الأمريكان للإفصاح عن حساباتهم لمؤسسة الضرائب الأمريكية. ووفقاً لمدير عام وحدة غسل الأموال بالبنك المركزي عبدالستار النجار فإن هناك أكثر من آلية للتوافق مع القانون فاما تكون هناك مؤسسة رسمية مركزية توقع اتفاق الالتزام بالقانون مع السلطة المالية الأمريكية وتتولي هي عملية الإبلاغ أو يترك الأمر برمته للمؤسسات الخاضعة للقانون مشيراً إلي أن مصر لم تتوصل حتي الآن إلي الآلية المناسبة ولكن بالتأكيد سيتم التوصل لاتفاق قبيل نهاية يونيو المقبل . هل يمكن لمصر أن تطلب من الولاياتالمتحدة المعاملة بالمثل؟ قال "النجار" إنه يمكن لمصر المطالبة بذلك في حالة التوقيع علي الاتفاق من جانب مؤسسة رسمية كوزارة المالية مثلاً أما إذا ترك الأمر للمؤسسات المالية فلن يكون من حقنا المطالبة بذلك. "بيزنس من نوع جديد" سوف ينشأ بالتزامن مع تطبيق قانون الفاتكا بحسب ما يقول عمرو العنتبلي رئيس قطاع الالتزام في البنك الوطني المصري فسوف تلجأ الشركات والمؤسسات إلي مكاتب للتدريب علي آليات التنفيذ ومكاتب تعد البرامج الالكترونية اللازمة لذلك إلي جانب مكاتب أخري تساعد المؤسسات في تحديد موقفها من القانون وما إذا كانت ملزمة بتطبيقه أم معفاة منه. "حقيقتان في أمريكا الأولي الموت والثانية الضرائب" هكذا يقول العنتبلي مدللاً علي مدي التزام الأمريكيين بدفع الضرائب وقال إن مصلحة الضرائب تعد أكبر جهاز مخابرات داخل أمريكا لكنه لا يستطيع أن يعمل خارج حدود بلاده ولهذا صدر قانون الفاتكا ليحول دول العالم لعملاء ومخبرين رسميين لأمريكا . وبحسب العنتبلي فقد ضحت أكبر دولة شهيرة بسرية الحسابات البنكية وهي سويسرا بهذه السرية وقال مسئول أكبر بنك سويسري "فلتذهب السرية للجحيم" في إشارة إلي تطبيق القانون الأمريكي حتي لا يتعرضوا للعقوبات وفقاً لما يقوله عمرو العنتبلي الذي يري أنه علي المؤسسات المصرية أن تبدأ من الآن بعمل الاستعدادات اللازمة لتطبيق القانون بوسائل دقيقة ومحترفة حتي لا تتعرض للعقوبات الأمريكية . تري الدكتورة سلوي العنتري الخبيرة المصرفية وعضو مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي أمريكا بالبلطجة الدولية مشيرة إلي أن أمريكا بما لها من إمكانيات مالية ضخمة تمتلك أدوات تنفيذ قانون الفاتكا وإجبار دول العالم علي الالتزام به مشيرة إلي أن 60% من الاحتياطات المالية العالمية بالدولار كما أن معظم دول العالم تستثمر أموالها في أذون وسندات الخزانة الأمريكية فضلاً عن أن غالبية المؤسسات الاقتصادية والمالية لها تعاملاتها معها وهو ما يسهل فرض عقوبات علي من لا يلتزم بتطبيق الفاتكا. في مصر ووفقاً ل"سلوي العنتري" يمكن أن نستغل قانون الفاتكا في إعادة طرح ضريبة الأرباح الرأسمالية سواء علي تعاملات البورصة أو التصرفات العقارية مشيرة إلي أن معارضي هذه الضريبة وآخرهم البرلمان الإخواني المنحل كانوا يتحججون بأن هذه الضريبة سوف تعمل علي "تطفيش" المستثمرين الأجانب. لكن في ظل الوضع الجديد فإن الأجانب وفي مقدمتهم الأمريكان حالياً وسوف يلحق بهم الأوروبيون عن قريب سوف يدفعون هذه الضريبة ولكن لمصلحة الضرائب الأمريكية لتمول بذلك الخزانة الأمريكية بضرائب علي أرباح محققة علي أرض مصر وبأصول مصرية. تؤكد العنتري أن مصر أولي بهذه الضرائب خاصة أنها تربطها بواشنطن اتفاقية عدم ازدواج ضريبي وبالتالي فالضريبة التي يقوم المستثمر الأمريكي بسدادها للخزانة المصرية تستقطع من الوعاء الضريبي في بلاده وتطالب الخبيرة المصرفية بضرورة أن تعيد السلطات الاقتصادية المصرية النظر في موقفها من هذه الضريبة التي طالما طالب بها خبراء الاقتصاد المصري علي مختلف توجهاتهم.