ولما كانت الليلة الثالثة بعد المائة يوم الأولي من عمر الثورة المباركة جلست أتدبر مثل غيري فيما تحقق من انجازات وما لم يتحقق.. وسرعان ما وصلت إلي الحقيقة.. فما من طريق سلكته الثورة حتي الآن إلا وسجلت فيه نجاحا باهرا فيما عدا طريق واحد هو طريق اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية.. الذي مازال يعاني من الحفر والمطبات والفوضي والانفلات. قدمت الثورة علي مدي المائة يوم الأولي نموذجا فريدا في الانتقال السلس من نظام مستبد جاهل إلي نظام جديد طموح.. ونزعت الخوف من المواطن وجعلته شريكا حقيقيا في المسئولية.. ووضعت تعديلات دستورية أخذت مصر إلي بداية الطريق نحو الديمقراطية وأجرت أول استفتاء نزيه في تاريخ الوطن وأرست القواعد لانتخابات حقيقية وأحزاب حرة وحياة سياسية سليمة. وأثبتت الثورة أنها جادة في كشف الفاسدين وتحويلهم إلي المحاكمة واستعادة الأموال المنهوبة حتي يدرك كل مواطن انه عزيز في وطنه وانه لا عودة إلي القهر والقمع واستغلال النفوذ ولا أحد فوق القانون. وفتحت الثورة الأبواب علي مصاريعها لكل صاحب فكر وموهبة وقدرة لصياغة الحياة علي أسس علمية منظمة دون إقصاء أو تجاهل لأي شخص وأي قيمة. باختصار.. نجحت الثورة في إعادة اكتشاف المعدن المصري.. ونفضت عنه ما ران عليه من سلبيات عبر الأزمان الرديئة حتي صدق البعض أن هذا المعدن قد استسلم للصدأ والتآكل فإذا به يلمع من جديد ويسحر العيون. المشكلة الكبري في هذا العرس الاحتفالي تأتي من خطورة الانفلات الأمني الذي يشكو منه الجميع.. الكبار والصغار.. الرجال والنساء.. الأغنياء والفقراء.. سكان المدن وسكان القري.. حتي وصل الأمر بالقضاة سدنة العدالة إلي التهديد بالإضراب عن العمل ما لم يتم اتخاذ تدابير صارمة لتأمين المحاكم وحمايتهم من الاعتداء أثناء تأدية عملهم. والخوف كل الخوف ان تمتنع فئات أخري مؤثرة عن العمل لغياب الأمن وانتشار البلطجة وبالتالي يصاب المجتمع بالشلل وتتوقف حركة الحياة.. وتصبح الثورة مهددة.. وتتحقق نبوءة مبارك وفلوله: "أنا أو الفوضي". كانت الشرطة في مأزق حقيقي في الأيام الأولي للثورة بعد ان حملها النظام الغبي وحدها مسئولية مواجهة المتظاهرين بالحديد والنار.. ثم جاء انسحابها المفاجئ وشيوع حالة من الرعب وانتشار جرائم السلب والنهب والحرق وفتح السجون لكي يزداد المأزق تأزما.. حتي جاء اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية واستبشر الناس خيرا ليعيد جهاز الشرطة إلي وضعه الطبيعي ودوره الصحيح.. وكانت البداية ب "الشرطة في خدمة الشعب". لكن الأيام تمر.. والانفلات الأمني يزداد ويتسع.. والبلطجة تسيطر علي الشارع.. والشرطة لم تنخرط في دورها الجديد حتي الآن.. بل إنها تتعمد إبداء التراخي واللامبالاة.. والناس تنادي: أين أنت يا عيسوي؟! لكن العيسوي لا يجيب. هل تريدون منا أن نَحِنْ إلي كرباج مبارك والعادلي؟!.. هل تريدون أن نكفر بالثورة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟! هل تريدون ان نقبل أياديكم وأرجلكم حتي تنزلوا إلي الشارع بكل طاقتكم وتحفظوا لنا الأمن لكي نعمل وننطلق ونعيش؟! نفعلها والله.. لا عيب ولا غضاضة.. نفعلها عن طيب خاطر أو مضطرين لا مشكلة.. فنعمة الأمن لا تعادلها نعمة.. ولا أمل ولا عمل ولا إنتاج ولا راحة بدون أمن.. لكننا أبدا لن نَحِنْ إلي كرباج مبارك والعادلي. يا إخواننا في وزارة الداخلية: الانضباط لا يعني القهر والقمع والتنكيل بالناس كما كان يتصور رجال العادلي.. والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تعني الفوضي واللامبالاة كما يتصور رجال العيسوي.. وخير الأمور الوسط. وبعد أن أعطاكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة الحق في استخدام العنف عند الضرورة للحسم والضبط فلا مبرر لكم في التهاون ولا عذر لكم إن لم تضطلعوا بدوركم وواجبكم. وسيادة اللواء العيسوي: لا تنس أنك وزير داخلية الثورة.. وإذا لم تسارع بإجراءات صارمة لعودة رجال الشرطة إلي الشارع وتنظيم عملهم وتوقيع أقصي العقوبة علي من يتخاذل ويتهاون منهم في خدمة الشعب.. فإن الثورة ستصبح في مهب الريح.. وستتعرض لنكسة رهيبة.. وأنت السبب. اللهم إني قد بلغت