سننت القلم وشمرت عن ساعدي.. وسننت أسناني أيضا لأقضم د. زاهي حواس وزير الآثار من كتفه اليمني حتي ينتهي عما يقوله ويعتقده فينا نحن المصريين.. وذلك فور أن قرأت عناوين حواره لصحيفة "الوفد" أمس والتي جاء فيها قوله إن الشعب المصري هو الذي يصنع الفرعون.. وهو الذي يؤله حكامه لأن طبيعته كده. وهذه الفكرة الفاسدة تستفزني كلما صادفتني.. لأنها تصم المصريين بأنهم السبب فيما يفعله فيهم حكامهم المستبدون.. فهؤلاء الحكام طيبون لكن العيب في الشعب.. وهذا العيب ليس طارئاً ولا سهلاً.. وإنما هو "جين" وراثي.. نتناقله أباً عن جد كما لو كان لعنة.. أو حتمية تاريخية لا فكاك منها. يقيني أن هذه رؤية عنصرية انهزامية خاطئة.. تلتمس العذر للحاكم الفاسد وبطانة السوء المحيطة به.. وقد آن الأوان لكي نرفضها بأعلي صوت.. فالشعب المصري يتوق إلي الحرية والحياة الكريمة مثل كل الشعوب الحية المتحضرة.. وقد دفع ثمن هذه الحرية باهظا علي مدي تاريخه الطويل.. وتحمل مالم يتحمله بشر في مواجهة ظلم وفساد الحاكم الأجنبي والحاكم الوطني اللذين حرماه من خيرات بلاده.. وتعهداه بالقهر والقمع.. ربما بسبب موقع مصر الإستراتيجي.. ومكانتها وامكاناتها. مصر جوهرة ثمينة في منطقتها.. والجوهرة فيها الطمع للصوص والمغامرين.. ومن يقف علي حراسة جوهرة ليس كمن يقف علي حراسة كومة من القش.. حارس الجوهرة يتعرض لمخاطر عاتية ربما يدفع حياته فيها.. أما حارس القش فلا خوف عليه. لذلك كانت حروب المصريين كثيرة.. ومعاناتهم كبيرة.. وتضحياتهم بلا حدود.. وليس من اللائق إنكار هذه التضحيات واتهامهم في كرامتهم الوطنية وكبريائهم. لم ينقذ الدكتور حواس من أسناني المسنونة إلا أن عدت إلي مضمون الحوار بعد قراءة العناوين.. وهنا اكتشفت أن الموضوع فيه شيء من الإلتباس.. فقد سأله الزميل خيري حسن: إيه اللي بيخلي الفرعون "يتفرعن" فأجاب: انت عايز الصراحة إحنا.. إحنا الشعب.. نحن الذين "نفرعن" الحاكم ونجعله في مرتبة الإله. ثم استدرك علي ذلك بسرعة قائلا: طبعا ليس كل الشعب.. وإنما فصيل منه يكون قريبا من الحاكم يزين له الظلم علي أنه عدل والفساد علي أنه استقامة والقبيح علي أنه الجمال.. وأن كلامه دستور وأفكاره خطط للمستقبل.. هناك شلة من المنافقين دائما ما تزين للحاكم أمره.. وهذا خطأ يتحمله الحاكم. إلي هنا يمكن أن نتفق.. فكارثة مصر الحقيقية يا د. زاهي ليست في الشعب وإنما في النخبة الفاسدة التي تحيط بالحاكم وتزين له الباطل.. وتتغني بأمجاده الكاذبة المزورة.. وتسخر كل ما لديها من علم وثقافة وموهبة وفنون وملكات لكي تخدع الشعب وتضلله.. وتكذب عليه ليعيش في الوهم مقابل أن تحقق لنفسها أكبر المكاسب.. وهذا ما يحذر الشعب لفترة أطول من الزمن حتي يظن الحاكم وحاشيته ونخبته الفاسدة أن الشعب قد استكان بينما الشعب علي الجانب الآخر يجد في طلب الحقيقة وكشف الزيف وحين يتحقق له ذلك يزمجر ويثور.. وينقلب علي الحاكم وأبواقه الكاذبة علي نحو ما حدث في ثورة 25 يناير المجيدة. أما مالا نتفق عليه ولن نتفق فقد جاء في سياق إجابة د. زاهي علي سؤال الزميل خيري: ولماذا نحن نؤله الحاكم حيث قال: "طبيعة فينا كشعب فرعوني.. نشأ علي ضفاف النهر.. وكان يعتقد دوماً أن الحاكم هو الذي يوزع عليه نصيبه من مياه النهر.. بالإضافة إلي شخصية المصري المسالمة. هذا غلط كبير يا د. زاهي.. غلط تاريخي.. أرجو أن نتخلص منه جميعاً ولا نكرره ونبثه في أبنائنا وبناتنا الذين قاموا بأروع ثورة في العصر الحديث.. ولا نملأ به عقول أجيالنا القادمة التي تكتب تاريخاً جديداً تحاول فيه التخلص نهائيا من هذه الوصمة المصطنعة واللعنة الكاذبة. نحن أكثر شعوب العالم تعرضاً للقهر والقمع.. ولو حكم أي شعب بالحديد والنار كما حكمنا نحن خلال الستين عاماً الماضية لما تحمل ما تحملنا.. خصوصاً إذا كانت نخبته الفاسدة المفسدة بارعة في الكذب والتضليل ودائما ما تقنعه بأنه يعيش أزهي عصور الديمقراطية. لذلك يجب أن يحاكم الفرعون عن كل جرائمه ربما للمرة الأولي في التاريخ.. وتحاكم أيضا حاشيته والنخبة المثقفة الكاذبة المخادعة التي جعلت منه إلها وأساءت إلي الشعب العظيم.. كما يجب أن نمتنع تماما عن ترديد الاتهام السخيف للشعب بأنه السبب في تأليه الحاكم واستبداده. والأهم من ذلك.. يجب أن نضع في الدستور والقانون من المواد ما يجرم تضليل الشعب وخداعه من أبواق الفرعون وزمرته.. حتي نغلق كل الأبواب والسراديب التي تؤدي إلي تأليه الحاكم.. وكفي ما كان.